دخل المونديال مرحلة الحصاد، بانطلاق مباريات نصف النهائي اليوم، والحقيقة أن المنتخبات الأربعة التي وصلت لهذا الدور، تحصد الآن نتاج عمل سنوات طويلة، لم تكتف فيها بالفرجة على العالم، ولا بترويج الأحلام، وعقد الدورات و«المكلمات»، وإنما عرفت ببساطة ماذا تريد، وخططت مبكراً لإنجاز ما تريده على أكمل وجه. المنتخبات الأربعة التي وصلت نصف النهائي، إنجلترا، والسويد، وبلجيكا، وكرواتيا، بينها الكثير من القواسم المشتركة، لعل في مقدمتها أنها منتخبات صغيرة السن، في مقدمتهم إنجلترا بخمسة وعشرين عاماً وستة أشهر، متوسط أعمار اللاعبين، وحلت في المركز الحادي والثلاثين، في ترتيب الأعمار بين 32 منتخباً شاركوا في المونديال، خلفها نيجيريا فقط، أي أنها صاحبة ثاني أصغر متوسط أعمار في البطولة، ثم فرنسا، التي حلت في المركز الثلاثين، بنفس المتوسط، وبلجيكا التي جاءت في المرتبة العشرين، بسبعة وعشرين عاماً وشهراً واحداً، وكرواتيا في المركز الثامن عشر، بسبعة وعشرين عاماً وأربعة شهور. كلهم دون استثناء، بين أقل الفرق أعماراً في البطولة، على عكس الأرجنتين مثلاً التي جاءت في المركز الرابع من حيث متوسط الأعمار، بثمانية وعشرين عاماً وسبعة شهور، ومصر الخامس، والسعودية الثامن، وإسبانيا والبرازيل والبرتغال، من العاشر للثاني عشر على التوالي. القاسم المشترك الأهم، والذي أنتج تلك الفئات السنية الصغيرة للمنتخبات الأربعة، أنها عملت وفق خطط مرسومة، فإنجلترا، أطلقت منذ أربعة أعوام خطتها لتطوير اللعبة، بإشراف أكثر من ألف مدرب، لتنجح في الفوز بآخر كأس عالم للشباب تحت 20 عاماً، وآخر كأس عالم للناشئين تحت 17، وبطولة أوروبا للشباب. بلجيكا أيضاً فعلت نفس الشيء تقريباً، واستثمرت في الكرة، وضخ قاعدة من النشء، بدأوا يغزون أيضاً ربوع أوروبا، وكانت تراهن على معظم نجومها الحاليين منذ نعومة أظفارهم. وكذلك فعلت فرنسا، التي يوجد في قائمتها للمونديال أكثر من 15 لاعباً من أصول غير فرنسية، على رأسهم القاطرة مبابي وكانتي وأوميتيتي، وغيرهم.. الفيصل لديها الموهبة، ولا شيء غيرها.. الموهبة هي الجنسية والعنوان. أما كرواتيا، فيكفي أن نتتبع مشوارها، لندرك كم أنجزت، فلم نكن نسمع عنها حتى وقت قريب، وبعد استقلالها عن يوغسلافيا عام 1991 ظلت سنوات تكافح لتصل فقط إلى المونديال، حتى تأهلت في مونديال فرنسا عام 98، وفي أول مشاركة وصلت للمربع الذهبي، واليوم تفعلها للمرة الثانية، بينما هنا بيننا من سبقها في الظهور وفي كأس العالم ولا زال يحبو، ويسأل نفسه كيف. في نصف النهائي لكأس العالم، صعد من يستحق، ومن ثابر ومن كافح.. صعد ليحصد، والأهم أنه أثبت لنفسه أنه على حق، وشهد العالم بذلك، ولا عزاء لمن لا زالوا للآن يتكلمون. كلمة أخيرة: كي تحصد عليك أن تزرع.. الحصاد ليس ممكناً لأهل «الدليفري»