هذا المبهر المضيء، المعلم الذي يشد الناس إلى التأمل في شموخه، أو معانقته لبحر الخليج العربي وكأنه يقدم حكاية طويلة عن البحر والأشرعة، عن الماضي ببياض وصفاء ناسه، وتلك الأشرعة القديمة التي صنعت الحياة على ضفاف الخليج العربي وعلى كل سواحله، وأيضاً يقدم صورة جميلة عن الفن والإبداع الجديد عندما ينهض مثل سناء وأسطورة للماء، جميلة وجديدة وأيضاً فريدة في الوطن العربي، وربما في العالم، عندما تنظر وتشاهد هذا البرج /‏‏‏ الشراع الممتد على شواطئ دبي وساحل الإمارات فإنك لا تخطئ. البلد الذي يقدمه عنواناً للجمال والحب والفن الرفيع، نعم الآن هو عنوان الإمارات الجميلة وراية وعلامة فارقة بأن الأشرعة البيضاء دائماً صانعة للتقدم والتطور مثل سفينة تعبر اليم والبحار الكبيرة وربما المحيطات إلى دار السلام والأمان. أزعم أنني أعرف المكان الذي أقيم عليه برج العرب أكثر من أقراني من أبناء الإمارات بل حتى أبناء دبي المدينة وساحلها الذي يمتد على شواطئ جميرا وأم سقيم، حيث كان الفريج الذي ولدت وترعرعت فيه يقع خلف المكان الذي بنى فيه البرج، لم تكن غير مساكن من العريش والخيام التي تبنى من سعف النخيل، كان هذا المكان مرتعاً لنا نحن الصغار ليل نهار، إما لصيد السمك أو اللعب من الصباح حتى المساء، وهناك ما لا أنساه عن هذا الموقع بالذات، ففي يوم كانت تهب ريح الشمال وترتفع الأمواج كثيراً ويصعب الصيد بالألياخ أو اليواريف /‏‏‏ الشباك، ولا شيء غير أن تجرب الصيد بالخيط، كنا ثلاثة أصدقاء وقد جربنا صيد أسماك (النوام)، وذلك بوضع سمكة (حاسوم) في ميدار كبير ورميناها في البحر، وذهبنا نلعب على الشاطئ غير متأكدين أننا سوف ننجح في الصيد، بعد أن عدنا إلى السنارة التي رميناها في البحر العاصف كانت المفاجأة بأننا قد أمسكنا بسمكة كبيرة (نوام)، بذلنا مجهوداً كبيراً لإخراجها وعدونا فرحين إلى أهلنا، ومن يومها وتلك الذاكرة لا ترحل عنا حتى وإن تغيرت الظروف وتطورت الحياة، ونهض هذا البرج الجميل محل ومكان صيدنا القديم، وحدنا نعرف كل حبة رمل هنا، ونعرف الراحل والقادم الجديد الذي لم يشهد حركة التغيير ولا كيف صنع الإبداع والجمال على هذه الشواطئ، والتي كانت جميلة أيضاً برمالها البيضاء البديعة والآن بعمرانها.