في الصورة يجلس نجيب محفوظ في مقهى يقرأ الجريدة، طاولته على نافذة تطل على الشارع في القاهرة العامرة، الضوء خافت، فنجان القهوة أمامه، يطوي محفوظ في الصورة الجريدة وملامح وجهه يكسوها انطباع بالتحقق، بالمعرفة بالطريق، بوضوح الرؤية على الرغم من النظارة السميكة. يطوي محفوظ الجريدة كمن يطوي العالم في الخارج ويعيد صياغته فنياً ليخلق عالمه الأدبي الخالد فتخلد من خلال نظرته القاهرة بلياليها ونهاراتها بناسها بأفراحهم وإنجازاتهم ومعاناتهم.. لتدخل مصر على يد محفوظ الخلاقة إلى العالم الإنساني الرحب. نجيب محفوظ حين انتصر للأدب وتفرغ له وأعطاه وقته وانتباهه وتركيزه وعمره كان مدركاً أن في الأدب الخلود، ليس لشخصه وإنما للمكان وناسه وتاريخه. والكاتب صاحب رسالة عليه إيصالها وإلا فإنه يصبح عنصراً بائساً واهناً لا فائدة ترجى منه. لماذا لا يوجد لدينا نجيب محفوظ في الخليج؟. في مؤتمر أدبي ترعاه إحدى مؤسساتنا الثقافية كان المحتوى هشاً متواضعا في المستوى، والضيوف أسماء لها قيمتها من مختلف أنحاء الوطن العربي، أسأل منظمي الفعالية لماذا لم يتم تدقيق المادة المشاركة حفاظاً على المستوى المطروح أمام الضيوف، يجيبني أن هذا فقط رأيي الشخصي إذ لم يحتجّ أحد. في الواقع، لن يحتج أحد، إنها في النهاية نزهة مدفوعة الأجر للجميع، ولطالما كانت الصورة النمطية للخليج هو المحفظة التي تدفع وكفى، أقول ولكن لماذا نرضى أن نظل كذلك، وإلى متى؟ أولى الخطوات لحل أي مشكلة، هو الاعتراف بوجودها. النزعة الاستهلاكية تغلب على مجتمعاتنا، ومؤسساتنا الثقافية كثيراً ما تغفل دورها الثقافي الريادي وتغض الطرف عن تواضع المحتوى في ظل التنافسية الإدارية الخارجة عن سياق العمل الثقافي البحت. لاعب كرة القدم في أحد النوادي يحصل على التشجيع والاهتمام والتفرغ المطلوب لتطوير مهاراته والمشاركة في معسكرات التدريب والمباريات المختلفة، في حين يتم التضييق على الكاتب لو طلب إجازة لإنجاز مشروع أدبي. الكاتب لا زال بالنسبة لنا، شخصاً «فاضي شغل»، لعدم تقديرنا لدور الأدب وتأثيره، ولعدم استيعابنا لمفهوم الأدب بحد ذاته. الأدب الذي يخلّد مسيرة الشعوب، الذي يختصر عمل الإرساليات الدبلوماسية في تأثيره الشامل المصيب للهدف من دون التكلفة الباهظة للفعاليات السياحية للتعريف بثقافة البلد وتقديمه للمجتمع الدولي. كاتب واحد، تهتم به وتحترمه عبر تقدير دور الأدب، يختصر لك ميزانية وزارات وهيئات. الأدب: هو القصة والرواية والمسرح والشعر. لأن الكثير يسألون «ماذا تقصدون بالأدب» وللأسف، تكرار هذا السؤال بحد ذاته يوحي إلى أي مدى نحن بعيدون عن تلك الزاوية التي يجلس عليها نجيب محفوظ طاوياً جريدته مخلصاً في رسالته مرتشفاً فنجان قهوته للتأمل في الحياة من النافذة المطلة على الشارع.