في تلك النقطة من كأس العالم، نصف النهائي، ليس بالإمكان أن تقلل من شأن أحد، أو تنتقد أحداً.. كل من صعدوا يستحقون المجد والثناء، أما الماضون إلى المباراة النهائية، فالمؤكد أن لديهم الكثير من الحظ.. هنا في تلك المنطقة، ربما تختار الكرة ذاتها من تريد. صعدت فرنسا إلى المباراة النهائية للمونديال بعد مباراة ممتعة مع بلجيكا، تفوق فيها «الديوك» بهدف نظيف، لكنه كان كافياً للعبور إلى مباراة «التاج»، وعلى الرغم من أن بلجيكا كانت أفضل من يلعب الهجمة المرتدة في كأس العالم، وبهذه الخطة حققت ما حققت، وأخرجت البرازيل من البطولة، إلا أن فرنسا في مباراة نصف النهائي، استحوذت على تلك الخطة، وأسقت البلجيك من الكأس نفسها التي سقت منها منافسيها منذ انطلاق البطولة. فرنسا تفوقت أكثر بالخبرة والهدوء.. خبرة البطولة وليس خبرة السن والعمر، فرنسا لديها إرث يمتد من التاريخ إلى الجينات، هو الذي قاد اللاعبين لتقديم مباراة تكتيكية، حققوا فيها ما أرادوا وامتصوا حماس البلجيك، وروضوا أمواجها الهادرة، وأنهوا سلسلة 24 مباراة من الفوز من دون هزيمة للشياطين الحمر، لتتأهل الديوك إلى نهائي المونديال للمرة الثالثة في تاريخها. هنا قد يكفي بلجيكا، وإن أعادها إلى ذكريات مونديال 1986 حين أقصتها الأرجنتين من الدور نصف النهائي أيضاً، وربما بخبرة البطولة كذلك.. ليس على بلجيكا أن تحزن، فالوصول إلى نصف النهائي إنجاز كبير، يحسب لهذا البلد، التي لا تزيد مساحتها عن 30 ألف كيلو متر مربع، وما حققته من نجاح طوال مشوارها بالبطولة، قد يكون ملهماً لمنتخبات أخرى، أدركت أن المواهب لا تظهر فقط في البلاد الكبيرة، لكنها موجودة أينما وجد العمل والتفكير والمثابرة، ويكفي بلجيكا التي تتعامل مع كرة القدم كما تتعامل مع الاقتصاد والبنية التحتية والمصانع، بالجدية ذاتها، أن لديها ما يقرب من 18 ألف نادٍ لكرة القدم، بها أكثر من عشر السكان، يمارسون الكرة. بلجيكا، تصلح نموذجاً لنا ولكل الباحثين عن مكان تحت الشمس، فقد ضمت قائمتها في المونديال لاعبين اثنين فقط يلعبان بالدوري المحلي، والبقية خارج الحدود، والأهم تلك المنظومة التي وصلت بها إلى هنا، والتي تكاملت فيها، ولها كل عناصر النجاح، لتنتج جيلاً أبهر العالم، وخرج من نصف النهائي مرفوع الرأس، لكنه حزين، لأن ما لديه كان أكثر. من فرنسا إلى بلجيكا، يبقى أهم ما استوقفني، تلك المواهب التي قفزت فوق حدود الأوطان، وأكدت أن الانتماء ليس شرطاً أن يكون بالجذور، لكنه بما تقدم لوطنك.. في صفوف الفريقين كانت الموهبة هي العنوان.. فرنسا يحمل لواءها في الفريق 17 لاعباً ليسوا من أصول فرنسية، وفي بلجيكا، يبقى لوكاكو المولود لأبوين من الكونغو الديمقراطية، أبلغ عنوان، على أن العطاء هو الأهم وهو جواز السفر. كلمة أخيرة: الأحلام الحقيقية .. ليست ما ننام لأجلها