في الثاني عشر من نوفمبر من العام الماضي، تأهلت كرواتيا إلى كأس العالم، بعدما تعادلت مع اليونان سلبياً، في لقاء العودة أمام اليونان بالملحق الأوروبي، وكانت قد فازت عليها في الذهاب بأربعة أهداف مقابل هدف.. نعم تأهلت من «الملحق الأوروبي»، واليوم هي في نهائي كأس العالم، بعدما عبرت إنجلترا، لتصل إلى مباراة العرش لأول مرة في تاريخها.. هذا التاريخ الذي لا يمكن القول إنه عريض ولا ثري ولا حافل، لكنها منذ أن وطأت قدماها المونديال لأول مرة عرفت الطريق، وأصرت على أن تكون مختلفة.. كرواتيا التي تأهلت لأول مرة بتاريخها في مونديال فرنسا عام 98، وفي أول مشاركة وصلت للمربع الذهبي. اليوم، كرواتيا تزاحم الكبار.. أصغر دولة في المونديال باتت الأكبر والأبهى والأروع.. صعدت إلى النهائي بعد ثلاث مباريات متتالية، فرض فيها التعادل نفسه، وتم تمديدها لشوطين إضافيين، وهو ما لم يحدث منذ مونديال 90، ووقتها كانت إنجلترا هي من فعلت ذلك.. كرواتيا تأهلت إلى النهائي بعد ست مباريات على التوالي دون هزيمة، والتسجيل في عشر مباريات على التوالي، منذ مباراتها مع اليونان، التي صعدت بها إلى روسيا. لتعرف ماذا أنجز الكروات، يكفي أن تتوقف عند تأهلها للنهائي بعد ثلاث مباريات على التوالي جرى تمديدها.. الأمر أكبر من الفنيات ومن اللياقة.. الأمر إرادة ووطن يسكن القلوب.. الأمر ذاته ما عناه لوكا مودريتش أفضل لاعبي المنتخب الكرواتي، حين سألوه عن إحساسه بعد اقترابه من لقب أفضل لاعب في البطولة، وربما في العالم: «أهم شيء الآن هي كرواتيا».. ثلاث مباريات تزيد عن مجموع دقائق أربع مباريات، قطعها الكروات دونما كلل أو ملل.. تحدوا التعب والإجهاد وكل شيء، ليصعدوا إلى هناك .. إلى حيث المجد، فوحده ما يستحق. كرواتيا التي تزيد القيمة السوقية للاعبيها عن ثلث قيمة لاعبي إنجلترا تقريباً، والتي يتقاضى مدربها زلاتكو داليتش، ربع ما يتقاضاه جاريث ساوثجيت مدرب انجلترا، فعلت ما يعد إعجازاً بمقاييس الكرة، لكنه المنطق بمقاييس العطاء والإرادة والتحدي. كل من ينتمي إلى كرواتيا أبدع، خاصة مدربهم زلاتكو الذي تولى المهمة في أكتوبر من العام الماضي، وكان على وشك الخروج صفر اليدين من تصفيات كأس العالم، لكنه قاد الفريق للتأهل، ويمثل المونديال الحالي أول تحد كبير له في مشواره التدريبي، وعلى الرغم من أن عقده مع الكروات يمتد حتى 2020، إلا أنه أنجز في أقل من عام، غاية ما كانوا يتطلعون إليه في أحلامهم. كرواتيا درس لنا، ولكل الباحثين عن أمل، ومودريتش درس وبيان عملي لكل اللاعبين.. مودريتش المتوج مع ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا، بات بعد 50 يوماً على مقربة من التاج.. هو رجل المباراة في ثلاث مباريات، لكنه في بلاده رجل الحلم وقائد الجيل وبوصلة الفريق، والرئة التي يتنفس بها والقلب النابض، وكل المعاني التي نحتاج نصفها لدينا. الدرس الكرواتي في المونديال أعمق من الكرة.. لكن متى كانت الدروس تفيدنا.. متى طبقنا ما تعلمناه. ** كلمة أخيرة: الأوطان في الخرائط ليست كما في الصدور.. في الأخيرة باتساع الكون والأحلام