من زمن طويل والفن الجنوبي منسكب من حضرموت وعدن وكل مرابع الجنوب العربي. الفن اليمني الذي أنعش الجزيرة العربية والخليج العربي وبعث فيها روح الحب والجمال. زرافات وأفواج من الفنانين الحضارمة الذين عبروا بصوت الفنان والشاعر اليمني الجنوبي إلى مسافات بعيدة، متغنين بالحب والحياة. يأتي صوت البحر عبر خليج عدن وشواطئ المكلا والمهرة وغيرها، الجنوب العربي قدم قامات كبيرة. الجميع تعلم الفن وروعة الغناء من الفنان الآتي من مرابع اليمن العزيز والجنوب على وجه الخصوص. قوافل مرت وفنانون كثيرون قدموا كل جميل ورحلوا، ليأتي بعد ذلك بعض من تعلّم منهم روعة الفن والغناء في محاولة أن يستمر صوت الجنوب العربي هو الأجمل والأروع. من الأصوات التي أحبها كثيراً صوت الفنان الرائع أيوب طارش؛ هذا الفنان الذي يمتلك خصوصية عجيبة وكأنه صوت أشجار الجبال الشامخة ونشيد المراعي وحميمية ماء الغدير أو انسياب شلالات المطر أو دعاء الأمهات بعودة الأغنام من المراعي عند اشتداد الريح والبرق، بل يذكرني باهتزاز الثمار فوق الأشجار، يذكرني بالجنوب العربي الذي أحببت عندما كانت البنادق في جبل ردفان تصنع الحياة وتشرق بعدها عدن والجنوب كحلم رائع وجميل، والذي ضيَّعه البعض، ولكنه يعود الآن بناسه وفنه وأحلامه الجميلة. الفنان أيوب طارش قدم صورة وصوت ذلك الحلم بالجميل الجديد. لم أكن أعرف أن هذا الفنان يحمل إلى جانب فنه وروعة صوته صفة يطلقها عليه أهله في اليمن، (صوت الأرض)، نعم إنها صفة رائعة وصائبة لفنان مبدع جميل، أيوب طارش، هو كذلك فعلاً؛ من حنجرته تشعر بأنك تسمع صوت الحادي الذي يعشق البراري الخضراء والفضاء المفتوح، تدرجات صوته تمتزج بين التلال والجبال والأمواج على سواحل الجنوب، صحيح أن في أرضه قامات كبيرة (أحمد قاسم، محمد مرشد، ناجي (المرشدي)، أبو بكر سالم، فيصل علوي، كرامة مرسال وغيرهم...)، ولكن يظل أيوب طارش (صوت الأرض) له خصوصية وصفة الفنان الذي يذكرك بمراعي اليمن وكفاحه من أجل فنه؛ بدءاً من مراعي الأغنام التي بدأ بها حياته إلى أن أصبح قامة فنية جميلة ورائعة في اليمن العزيز. الفن دائماً هو مرسال الجمال والحب والتفاؤل بالحياة الجديدة، والجنوب العربي بعد أن عاد إلى ناسه وأهله يحتاج إلى أن تغرد مدنه وشواطئه وساحاته لهذه القامات الفنية الجميلة.