نحن والعالم في الطريق إلى الحياة، رسمته الإمارات بتأنٍ وروية وتريث، ومن دون عصبية أو عصاب، والمراد من ذلك سلك الطريق إلى الحياة بقلب توافرت فيه أدوات العبور، وأولها هو النأي عن خبائث العنجهية، والنهي عن منكر العنصرية، والتحرر من الأفكار المسبقة، والتخلص من نفايات «أنا ومن بعدي الطوفان»، والتجرد من هم ونحن، والدخول في الوجود مثل ما هي النجوم في السماء تضيء بعضها بعضاً، لأجل أن يصبح الوجود مصباحاً منيراً يضاء بساكنيه، ويكتسب جماله وجلاله من صور الذين يرتبون منضدته، ويشذبون أشجاره، ويهذبون بساتينه، ويملأون الحياة بأناشيد الحب، ويرفعون الصوت عالياً، صافياً، قائلين لأجلك يا حياتنا نغني، ونملأ القلوب بتغاريد الطير وحفيف الأوراق، ونفيف السحابات الشفيفة.
الإمارات من وحي القرآن نهلت، ومن نداء السماء استوحت، فسارت مجللة بالإيمان، مكللة بالثقة، متوجة بالثبات، فأعطت العالم تجربة لا مثيل لها في الاندماج في الوجود، والانسجام مع الذات، والوصول إلى الآخر من دون عقبات أو كبوات أو نكبات، وهكذا أصبحنا اليوم المنارة التي تنشدها القلوب، والشمس التي تصبو إليها العيون، والفكرة التي تلتقي حولها كل الأفكار، وبلا منازع، لأنها فكرة جاءت من فيض الصحراء، لم تعرقلها نظريات، بل حملتها تجليات، وصرنا في الكليات بلداً، يكبر بالناس الذين يحملون رايته، ويحفظون وده ويوفون بعهده، ويكسبون وده.
نحن والعالم اليوم في سؤدد التواصل وفي موعد التكامل، يؤم وجودنا حلم الكلمة، جذرها في الأرض وفرعها في السماء، لا تغشيها غاشية وغد، ولا تشوبها شائبة نكد، لأن الصفاء النهري قد حدد حدودها وسدد خطاها، والذين يتابعون خطوات الإمارات وهي ترسم لوحة العالم على قماشة الوعي، وكأنها تنقش ألوان الزهر على تلابيب الأوراق الرهيفة، وكأنها تضع النقاط الزاهية على أجنحة الفراشات، وكأنها تسرب إلى الضفاف همسات الأنهار، تغدق الأشجار بهديل الحمام.
الإمارات تذهب إلى العالم بفم مملوء برضاب العذوبة، وتمنح شعوب الدنيا، كتاب الإسلام الصحيح من دون تسويف المسرفين في الغلو، ومن دون تفريط المفرطين، والذين هرطقوا وطقطقوا ومطمطوا، ووضعوا في الأحشاء أنواء وبلاء، وجعلوا من الدين مطية، يعبرون من خلالها إلى غابات التوحش والتضور وكراهية الآخر.