منذ الصغر ونحن نسمع كلمة «هامش»، ولم نكن نعيرها اهتماماً، ولا حتى حاولنا على الأقل كمتخصصين معرفة جذر هذه الكلمة لغوياً، فقد عرفناها أول ما عرفناها في الصفوف الأولى، حينما كان يشير لنا المعلم بعصاه أو المسطرة أن نترك هامشاً أسفل الصفحة، لتعليقاته وتصحيحاته أو يأمرنا أن نكتب على الهامش معاني الكلمات، بعدها عرفنا «كلمة على الهامش» من خلال الملتقيات والندوات، والتي يعتبرها المعقب أو السائل فرصة سانحة للدخول في المناقشة وطرح الأسئلة، فإذا بها تزيد عن الوقت المسموح باسترساله وشطحاته، وإبراز قدراته، واستعراض عضلاته، وهناك شعراء وأدباء الهامش، وهم شعراء وكتّاب صعاليك وبوهيميون، ارتضوا بحياة التسكع وما قل من مأكل، ورخص من مشرب، والمسكن مشاع، وعكسها أدباء وشعراء المركز، وهم من الحظوة، وشعراء البلاط، وكتّاب السلاطين، عادة ما يكون إبداعهم مدرسياً، وممجوجاً، ومتكسباً، وخالياً من الصدق، باغي المنفعة، وهناك دول ومدن المركز، وهي الدول المتقدمة ذات النفوذ والقوة، وعكسها دول ومدن الهامش، وهي الدول الفقيرة، والمدن النائية، وقد يتم التبادل بينها في سيرورة الزمان، وصيرورة الأحداث، لأن لا حال يبقى، ولا مآل يخلد، كما هي الأيام دول، وتورد دائماً في نشرات الأخبار عبارة؛ «على هامش المؤتمر»، بمعنى على جانب، وعبارة «على هامش لقائنا بالسيد الوزير»، تأتي عانية بمناسبة، و«على هامش الأخبار»، تعليقاً على ما ورد فيها، و«كلمات على الهامش» بمعنى معان، و«هَمّش الأمر»، جعله ثانوياً، و«الهامش» حاشية الكتاب، و«تركه على الهامش»، جعله على الجانب، و«يعيش على الهامش»، بمعزل عن سياق المجتمع، منفرداً، غير مندمج فيه، و«شخص مهمّش»، لا يؤبه له، متروك لحاله وفي حاله، و«التهميش»، التجاهل، و«على هامش الأمر»، بمعزل منه، وخارجاً عنه، وفي الاقتصاد هناك «الهامش الحر free margin»، وهي الأموال المتاحة للتداول على الحساب، ولا تستخدم كضمان في السوق المالي، و«مستوى الهامش margin level»، وهو الذي يوضح المخاطر للمتداول في السوق المالي، و«على هامش المشاورات أو المحادثات الجارية»، مرادفاً ومحاذياً لها، وتزامناً معها.
وأخيراً.. هناك الهامش الجديد الذي سنعرفه منذ اليوم، وهو «هامش السرعة»، والذي سيلغى، حيث لا هامش بعد اليوم، وعلينا التنبه واليقظة لأمرين؛ أمر السرعة، وأمر الهامش، فقد مضى زمن الهامش بلا رجعة، والدول المتقدمة اليوم تمشي بلا هامش، فقد عطل عليها سابقاً الكثير، وأهدر الكثير، وإذا كان لدى إخوتنا المصريين العجين يمشون عليه ما «يلخبطهوش»، فنحن لدينا الهامش نمشي دونه ما «نعدوهوش»! صباح.. ابتسامة الهامش.