منذ أن تجادلا حول شؤون الحياة المختلفة، خصوصاً في السياسة، الثقافة والشؤون الفنية والدينية، بعدها أصبح كل واحد يسكن قطباً بعيداً عن الآخر، خاصة في الجانب الفكري، ولم يبق شيء من الذي كان يجمعهما.
كل يوم تجمعهما زاوية واحدة في المقهى، يظل هذا مشغولا بهاتفه وقراءة الرسائل، والآخر كذلك، يبرد ما بداخل أكوابهما، ولا يقطع هذا الانشغال أو المسافة الوجدانية البعيدة غير سؤال خاطف وصغير من هذا، وجواب سريع وقصير وموجز من ذلك، وكأنهما غريبان وهما صديقان منذ زمن بعيد، لا شيء غير فتات كلام، وحدها الأفكار واختلاف الرؤية في الحياة أسكنت كل منهما في جزيرة نائية، ولا تعلم ما الذي يجعلهما يجلسان متجاورين وبشكل يكاد يكون يومياً، لا تواصل حقيقياً بينهما، إنه الزمن والأفكار المختلفة، هي وحدها من يجعل القريب بعيداً والبعيد قريباً.
يأتيان في الوقت نفسه للمقهى على عادتهما القديمة، ويذهبان أيضاً في الوقت نفسه، كل شيء على عهده القديم بحكم العادة أو الحاجة النفسية لمسافة من زمن يستريح فيها الفرد من جري النهار بأكمله واغتنام شيء من لحظات المساء الهادئة والرائعة، ولكن هذه الصورة هي بقايا زمن كان مشتعلاً بالابتهاج والفرح والمرح، ولكنها في ظل التحولات الكثيرة والحروب والكوارث وطغيان برامج الشعوذة والخرافات التي أصبحت تصل إلى كل فرد بعد هذه الثورة الرائعة في عالم الاتصال الحديث، أنتجت أيضاً أفراداً جدداً، وشكلت كذلك أفكاراً جديدة، تحول معها الناس حسب مستوياتهم المعرفية والفكرية، هناك من ظل على حالته القديمة وآخر أصبح هذا الركام من منتوجات الوسائل الحديثة تأخذه أين ذهبت، العجيب أنها صنعت أناساً جدداً في التفكير والرؤية للحياة، بينما تحجر البعض عند قديمه وظل حارساً وناطوراً لكل خرافة وبدعة!!
لقد مزقت الوسائل الحديثة كل جميل عندما نالت من المعتقد المختلف والتفكير المختلف، يوجد كثير من الشك أن كل من تعلم أكثر لديه سعة في الفكر والقلب والحب، حيث إن الحب لا يحتاج معرفة، إنه يسكن في بساتين الزهور والورد.