في الدورة الـ29 لمعرض الكتاب السنوي الذي تحييه دائرة الثقافة والسياحة تأتي الهند محملة بشال غاندي العظيم، وعفته، وإنسانيته، وفطرته، وكفاحه المشرف ضد التمييز الديني، تأتي ضيف شرف خفيفاً، بخفة ورقة نهر السين، وثقل الحضارة الهندية، وما نسجته من حرير، و«ساري» على جغرافية، تعددت فيها اللغات، والديانات، والثقافات، حتى أصبحت فسيفساء تلون وجه الهندي بسمرة تقترب إلى لون الأرض، وتحاذي سمات الغيمة التي تنهل منها أشجار جوز الهند.
مناطق واسعة تحتلها الثقافة الهندية في وجدان الإنسان الإماراتي، بدءاً من بهاراتها الحارة، وانتهاءً ببخور العود، والصندل، ومسك الحياة، والفرح الأبدي. مع الهند يأتي طاغور الذي لم يكمل قصيدته الأخيرة، فبكى لوعة وحسرة أمام عيني زوجته وهو على فراش المرض، ومعه بكت الهند على عملاقها الأجل عند صمت القصيدة، ونحول الشعر من بعده، وضمور الوجدان العالمي، لأن طاغور قد رحل وبقيت قصيدته منشورة على صفحات القلب الذي توقف عن النبضات، بينما غاندي كان منشغلاً بترتيب أوراق أحبابه، الذين سخطوا على عنايته بأشجار الهند من دون استثناء، وطعنوا، كما فكروا، جسد أنديرا، وبالعاطفة الهوجاء نفسها التي لا تقبل الآخر، والمستمرئة للذات الأحادية، القابضة على جمرة العزلة، والاتكاء على الأنا المتورمة.
ذهب غاندي وبقيت الهند، تعزف على أوتار حضارتها العريقة، برغم كل الأمواج الهائجة، برغم المشائين بنميم، لأن شجرة الهند أكبر من الأعشاب الشوكية، لأن الهند واسعة بسعة عفوية غاندي، وعبقرية طاغور فماذا يضير الأشجار السامقة من وخز الأشواك لجذورها العظيمة.
الهند والإمارات تنتميان إلى جذر الحب، والتسامح. والعطاء، والتأثير في مهج العالم، بلمسات ناعمة أنعم من أوراق الغاف، وأشف من نهر السين.
الإمارات والهند امتلكتا ناصية الحلم الجميل ببلاغة القصيدة التي نطقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونبوغ القريحة لدى غاندي، فسارتا معاً نحو الآخر، بشيم هذين العملاقين، وقيم حضارتين بلغتا مبلغ الشمس، وهطلتا هطول المطر.
نشعر بالفخر أن تقوم دائرة الثقافة والسياحة بهذا الجهد الطليعي لخدمة وعي الإنسان بما يهم علاقته بالآخر، واختيار الهند ضيف شرف في معرض الكتاب، هو اختيار الغيمة الممطرة، هو اختيار للنجمة المضيئة، هو اختيار للربوة العالية، هو اختيار للحقيقة، والحقيقة أن العالم بحاجة إلى فتح روافد الإنهار كي تروي عطش الناس أجمعين.