في شارع عام يمتد على بساط الأرض مثل سجادة الحرير، توقفت مركبة صغيرة لعطب في إحدى عجلاتها، لم تمض أكثر من خمس دقائق، إلا وسيارة الشرطة تلوح بأضوائها السماوية الزرقاء، ثم تتوقف خلف المركبة المعطوبة، وينزل شاب في عمر الزهور، وابتسامة أشف من قطرات الندى، تهفهف على سحنته النحاسية الجميلة، مصافحاً الرجل الذي حيرته هذه الوقفة غير اللائقة لسيارته، في وقت توقد شمس الظهيرة نيرانها الملتهبة.
طلب رجل الشرطي بنبل من قائد السيارة المعطوبة، أن يستريح تحت الهواء البارد في سيارته، إلى أن ينتهي هو من إصلاح العجلة.
استجاب الرجل للكرم الملائكي، والدهشة تمتزج بالامتنان، ومعهما سعادة غامرة ملأت قلبه لهذا الأسلوب الحضاري الذي حظي به من رجل نشأ في مؤسسة، وظيفتها إسعاد الناس، وتنمية الشهامة في قلوبهم.
بعد مضي وقت قصير، كان رجل الشرطة قد أنجز كل شيء، فأشار بيده إلى قائد العربة، تفضل سيدي، سيارتك جاهزة، هل تود خدمة أخرى، فنحن في الخدمة.
رفع قائد السيارة بصره، وتملى وجه الشاب، كانت الملامح تدل على شيم النجباء وكانت الابتسامة، تطل من وراء قطرات العرق التي سالت من جسده جراء الجهد الذي بذله في تغيير عجلة السيارة، ولم يستطع التعبير عن تلك اللحظات المذهلة، إذ بدا له الأمر كمن يقع تحت هول المصادفة لأمر مبهج من دون مقدمات، ولِمَ لا، فما تقدمه مؤسسات الإمارات اليوم لهو المفاجأة التي تروغ عن ذهنية الإنسان كل ما يراه في دول العالم، ورجال الشرطة أصبحوا الأيدي الناعمة التي تزيح عن كاهل مرتادي الشوارع أعباء ما كان لهم أن ينجزوها لولا وجود هؤلاء الرجال، وتفانيهم في عمل كل ما يسعد الإنسان على هذه الأرض الطيبة، عمل نفتخر به، ونتباهى به بين الأمم، فالحضارات لا تقاس إلا بسلوك أبنائها الذين يقدمون الصورة المثالية للتعامل مع الآخر، ولا شك في أن ما تقدمه شرطة أبوظبي، إنما هو النموذج والمثال للعمل الوطني، الذي يذهب بالوطن إلى مناطق واسعة من الانفتاح على التاريخ والدخول في بساتين الفرح الإنساني.
فعندما تجد رجل الشرطة يتحرر من كل المظاهر، ويُشَمِّر عن ساعديه، وتحت سطوة اللهيب الصيفي، ليقدم المساعدة لإنسان لا يعرفه، ولم يفكر في التعرف إليه قبل أن يقدم نفسه إليه كإنسان ينتمي إلى مؤسسة وظيفتها نثر أوراق السعادة في ربوع النفس البشرية، لأن الهدف من وجود رجل الشرطة في الشارع هو أمان الناس، وطمأنينيتهم.
فشكراً لهؤلاء الرجال.. شكراً لمن يعطينا الدروس في الحب.