ما بين الصحوة والسبات، خيط أرفع من الشعرة. ولكن ما يفرق بينهما هو جدار سميك، بسمك الفظائع التي يرتكبها الفرد في غياب الضمير. ففي غياب الضمير، يتعب الجاني والمجني عليه، فالاثنان على حد سواء يعانيان من دخان الجريمة الذي يعم أجواء النفس، ويملأ فناءها بثاني أكسيد الكربون الخانق، فتبدو الحياة مزرية وكئيبة، ولا تستحق أن نكتب على سبورتها كلمة فرح.
في غياب الضمير كل المياه غير الصالحة للشرب تتسرب في شراييننا، وكل الهواء الفاسد يتسلل إلى رئتنا، وكل ضجيج الآلات الخربة يقتحم أسماعنا، وكل النباح، والعواء يملآ أفنية منازلنا، لأنه لا قانون يمنع هذا الغزو اللاأخلاقي من اغتصاب حقيقة وجودنا.


فالضمير هو القانون الأخلاقي الوحيد في العالم الذي يصفي وجه مرآتنا، ويرتب أثاث صدورنا، ويمسح الغبار عن نظارة أعيننا، ويجعلنا نرى العالم كما هو، لا كما نريده، وبالتالي نعيش حياة خالية من الشك حياة لا ينقصها رائحة الزهر، ولا رونق النهر، ولا لباقة عصفور يرفع نشيده الأبدي عند نافذة مشرعة على الوجود.


عندما يحضر الضمير تنغلق أبواب الشر إلى الأبد، ويدخل الحب، وهو يرفل بسندس الأحلام الزاهية، ويهدل بصوت الحياة الشجي، وتنعم النفس بهذا العرس الوجودي، ويصبح الفرد مثل جناح الطير متخففاً من الأهواء، متحرراً من الأرزاء، متخلصاً من الأنواء، يحدق في الوجود، بعيون غزلانية صافية، ويحلق في السماء مثل سحابة المطر، ويطوق العالم بمشاعر أرهف من النسمة، وأشف من النجمة، ويطوف في أرجاء الأفكار السمحة وكأنه يمرر أنامله على خدود الورد، كأنه يقبل شفاه أيامه الرومانسية، كأنه يمضي على طريق مهد بقماشة المخمل، ويتسع وعيه بأهمية أن يكون في المكان أناس أشبه بالملائكة كي يرضى الله عن عباده.


عندما يصحو الضمير، تنهض أشجار الأرض، وتعلق أغصانها في السماء مثل عناقيد الفرح، والأثمار أقمار تشيع الضوء مدراراً، في أحشاء الكون، وتكون الصحراء، سجادة من حرير الناس الطيبين، والركاب طوارق حلم الأبدية، يسرج خيول الوعي في نفوس العشاق، ليستهل الجميع بقصيدة الحياة... الحياة للجميع، الحياة بضمير الحاضر أحلى، وأجلى وأجمل، وأكمل، وأصالتها تنبع من كلمة «نحن جميعاً نحب الحياة، نحن جميعاً نحب الوطن، وبه نحيا».