المنفتحون مثل شرشف الحرير، يعطونك الشفافية، ويمنحونك رفرفات الطير على الأغصان الهفهافة. يأخذونك إلى حيث تكمن أجنحة الحياة الرهيفة.
عندما تكون في حضرة مسؤول رحيب الخصال، خصيب المآل تشعر أنك في فناء جمهورية أفلاطون المثالية، فتنسكب على رأسك سحابات البذخ الأخلاقي وتثريك بأنهار القيم العالية، وتمنحك النظر إلى الوجود وكأنك شجرة عملاقة تلامس السماء الصافية، وتقطف من جلالها السمو والرفعة، وتمضي بين النجوم كوكباً تدور في أفلاكه ملائكة الله.
تشعر بأن الحياة بلا نكب ولا عقبات، ولا كبوات، ولا عثرات. تشعر وكأن الأحلام التي زارتك في سغب الليل أنها طيور بلون البياض، تحمل على مراوحها الشفيفة غيمة المطر، تبلل بها ريق انتظارك لخبر، يفتح لك أبواب الرحمة، ويشرع لك نوافذ الخير.
تشعر أنك صرت عند شغاف النجمة البراقة، والسحابة التواقة إلى حلم النهار الأنيق، وصباح الحمامات المتألقة بالجمال، والكمال. ولكن عندما تكون في كهف مسؤول عسير، أسير الأنا المتورمة، تشعر وكأنك دخلت في جوف موقد تقرقع فيه جمرات البؤس، والنحس، وتتمنى لو أن الأرض تبتلعك، وتنتهي حياتك إلى هذا الحد، حيث يصبح الوجود مثل حشر الكائنات المصلوبة على مقصلة النهايات المأساوية، وتتذكر أخاك (سقراط) الذي فضل الموت على البقاء في حضرة البؤساء من بني جلدته. تتأمل وجه هذا المخلوق الغرائبي، وتنظر إلى تغضنات جبينه، وانعقاد لسانه، وبحلقة عينيه إلى اللاشيء، وتقول يا ترى كيف جاء هذا الإنسان إلى الحياة وهو بكل هذه الخربشات على سبورة حياته، كيف جاء ومرآته مليئة بالغبار، ونفايات التاريخ التي تنوء منها الجبال.لا تجد الإجابة، لأنك وفي ظل هذا الموقف المزري، تخونك العبارة، وتغيب عن ذهنك فطنة معرفة اللوغاريتمات البشرية التي تأتي إلى الدنيا مثل الغيمة الحمضية، لكي تفتك بالطبيعة.
في هذه الحالة، تحاول أن تشق درباً لك في المكان، كي تغادر من غير مطرود، وتحفظ ماء وجهك، وليرحمك الله، ويغفر لك من ذنب اقترفته، عندما توخيت الأمل بمن لا يحمل في صدره غير النفور، والثبور، والغرور، والشرور، وسوء النوايا، تجاه الناس، وهذا النمط من الناس يظن أنه تولى المنصب لا ليخدم الناس، بل ليجلب لهم أسئلة الغموض الحارقة، ومشاعر أشبه برائحة الجيف. فأعوذ بالله من شرور خلق الله.