الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

التراث.. زاد المـستقبل

التراث.. زاد المـستقبل
9 مارس 2020 01:05

أعد الملف: هناء الحمادي, أزهار البياتي, أحمد النجار, نوف الموسى
التحرير: أشرف جبريل
الإشراف العام: راشد الزعابي, ناصر الجابري
الإخراج: محمد المنصوري

لأنه «الزاد» الحقيقي الذي تعيش عليه الأمم والشعوب، يتربع التراث في موقع متقدم ضمن أولويات الإمارات في العقود الخمسة المقبلة، فرهان الحكومة إنسان عصري مستنير، مؤهل ومدرب، قادر على مواجهة التحديات، ولا تكتمل قدرات وملكات قادة المستقبل دون، وجدان ومعنويات وملكات وهوية لا يجدونها إلا في ثنايا التراث، ووسط أوراق التاريخ، وبين سطور حكايات الأجداد والجدات.
لذا تطوع الخطط المستقبلية التكنولوجيا لإحياء الموروث، وتوظف الذكاء الاصطناعي وتقنيات «الواقع المعزز» لوضع التراث في قالب عصري تفاعلي جديد، تراه الأجيال الجديدة فتستنشق عبق الماضي، وتعيش حياة الأجداد، وتستشعر فخرا، يدفعها لاقتحام المستقبل بعزيمة تصل بها إلى الصفوف الأولى.

«الرقمنة».. الموروث في قالب تفاعلي
فكرة رقمنة التراث، وتوظيف التكنولوجيا لنقله للأجيال القادمة، فكرة يسوقها ناصر البناي مدير لجنة التراث في معهد الشارقة للتراث، ويؤكد ضرورة ابتكار أدوات ذكية لنقل التراث بصرياً وسمعياً للجمهور عبر مواد فلمية شائقة مدعمة بتقنيات الواقع المعزز، يتم توظيفها لتنمية وعي الصغار عن طريق ألعاب افتراضية، إلى جانب صناعة برامج حركية وأفلام تفاعلية ووثائقيات درامية تتضمن مواد ثقافية تراثية للكبار تحمل طابعا ترفيهيا وتعريفيا وتثقيفيا، وإدراجها ضمن تطبيقات للهواتف الذكية.
ويرى هزاع الشعلان محلل نظم في هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، أن التحدي في العقود القادمة يكمن في كيفية سحب الجيل الجديد من ذروة انشغاله بالتكنولوجيا إلى أجواء التراث وعناصر الحياة التقليدية، وكيفية استكشاف أدوات لتغذية وعي الأجيال بجرعات عالية من التراث والموروث والفلكلور، وربطهم بالهوية والأصالة وسيرة الأجداد.
وتابع الشعلان: في ظل إيقاع التطور والتقدم المتسارع، نستطيع المحافظة على الإرث المحلي من خلال توظيف التكنولوجيا لرقمنة العادات والتقاليد، ومزج القصص والحكايات الشعبية بالفيديوهات وربطها بأجهزة تحاكي الواقع الافتراضي، تجعل المستخدم يكتشف التراث من خلال التقنيات الحديثة، مشيراً إلى أن التكنولوجيا قادرة على محاكاة وخلق بيئة تفاعلية وحسية في العالم الافتراضي تجعل المستخدم يشعر بحرارة رمال الصحراء ويشم رائحة القهوة، ما يساعد في بقاء الإرث حاضراً ما دام هناك ارتباط وجداني وروح وطنية تخفق به.
تقول فاطمة المزروعي رئيس قسم الأرشيفات التاريخية في الأرشيف الوطني: إن التقنيات الحديثة تلعب أدواراً مهمة في خدمة الموروث، وتساهم في المحافظة عليه وصيانته، فعلى سبيل المثال قبل 100 عام أو أكثر، كان التراث معرضاً دوماً للاندثار، أما في هذا العصر، فعمليات الحفظ والتدوين والنسخ والطبع والتصوير تطورت، وهو ما يعني وجود الكثير من الصور والنسخ للمواد التراثية القيمة، إلى جانب عمليات الصيانة المستمرة التي تدعم بقاء المقتنيات المهمة.
وتؤكد المزروعي أن التقنيات الحديثة والتطور في مجال الاتصالات وشبكة الإنترنت، يساهمان بشكل فاعل في نشر التراث والترويج له والمحافظة عليه، فالشبكة العالمية حفظت الكثير من المواد المكتوبة والصور والفيديوهات، وشرحت التراث وأقسامه ومدارسه، ووصلت به إلى قطاعات عريضة من الجمهور.
وأضافت أن التكنولوجيا أثبتت قدرتها على حفظ التراث، فكثير من معالم التراث الثقافي والبيئي واللغوي تزدهر وتنمو وتنتشر بفضل التكنولوجيا الحديثة التي ساهمت بشكل فاعل وواضح في أن يبقى التراث بمختلف أنواعه حاضراً ومتواجداً في ذاكرة الإنسان والمكان، فلا يوجد تجمع بشري دون موروث تركه الآباء والأجداد للأبناء ولا غرابة في أن يكون التراث رديفا وحالة متواجدة بشكل مستمر مع الإنسان في كل حقبة زمنية.
وتتعدد إسهامات التقنيات الحديثة في صون التراث، وحسب فاطمة المزروعي، فالمخطوطات التي تتوارثها الأجيال تتلاشى، وتتآكل بسبب مرور الزمن الطويل عليها، وفي الوقت الحالي تلعب التقنية دوراً حيوياً في عمليات ترميم وصيانة هذه الوثائق الهامة، مما ساهم في إبقائها والمحافظة عليها من التلف، وعمليات الصيانة والترميم تطورت بشكل كبير، ودخلت عليها تقنيات حديثة والحقيقة أنه كلما تطورت البشرية، وكلما حققت المزيد من التطور التكنولوجي، فإن هذا ينعكس على الموروث البشري أيا كان نوعه.
وأضافت المزروعي: التراث أنواع متعددة ولا يتوقف على المكان ولا على الأدوات، بل يتجاوزها إلى البيئة، وهو ما يسمى بالتراث الطبيعي، والذي يتم تعريفة عالمياً بأنه: المعالم الطبيعية، والتشكلات الجيولوجية والمواقع الطبيعية، وهو التراث ذو القيمة العالمية البارزة والمدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.. وهذا النوع تحديداً يحافظ على البيئة ومكوناتها سواء من النباتات أو حتى بعض الحيوانات التي تتعرض للتهديد بالانقراض، وأضافت: لو أمعنا النظر سنجد التراث انعكاسا للحياة البشرية بأسرها، وهناك اتفاقيات دولية تستهدف حماية اللغات من الاندثار كونها تعتبر تراثا بشريا يجب المحافظة عليه.

«إرثي».. مستقبل مستدام للحرف التقليدية
يتبنى مجلس «إرثي» للحرف المعاصرة برامج تنموية تهدف إلى ترسيخ القيم الثقافية والحضارية، وينسج عبر فعالياته قصصاً وحكايات عن حرفيين وحرفيّات تميزوا في الصناعات الإبداعية والمشغولات الفنية المرتبطة بتراث البيئة الإماراتية القديمة، ويجسد فصولاً من الجهد والعمل الشاق، الذي طبع خطوطه وألوانه على أصابع مجموعة من نسوة رائدات، أخذن على عاتقهن مسؤولية صيانة صفحات مضيئة من التاريخ والحضارة والتراث الإنساني للمنطقة، لينقلنه بمنتهى الأمانة والاعتزاز لأجيال جديدة وصاعدة من فتيات الإمارات.
تشير، ريم بن كرم، مدير مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، إلى نهج إرثي في حفظ التراث وتطويره، قائلة: «لطالما كانت الحرف التقليدية لبيئتنا المحليّة مهنة المرأة الإماراتية التي تبدع وتتميّز فيها، ودليلا على الجهد النسائي الكبير في تفعيل الحراك الثقافي والإنساني في البيئة القديمة، وسعياً وراء صيانة هذا الموروث الإبداعي المحلي وحفظ كافة عناصره، أساليبه، وأدواته الفنيّة من الاندثار، وجهت حرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، بتأسيس مجلس إرثي للحرف المعاصرة بهدف النهوض بهذه الحرف التقليدية، والاستثمار فيها لتصبح قطاعاً تنموياً يسهم في تمكين المرأة ويدعمها اجتماعياً واقتصادياً».
وأضافت: «ضمن هذا الإطار نحرص من خلال «إرثي» على تطوير الصناعات المحلّية القديمة، من خلال نقلها للأجيال الجديدة عبر عدد من البرامج والفعاليات التي تدعم هذا التوجّه وترتقي بأدواته، مشيرة إلى أن المجلس يعتبر الأول من نوعه، فالمجلس متخصص في صيانة الموروثات الشعبية الإماراتية وتطويرها، وتمتد جهوده إلى مناطق الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، كما يقدم تحت شعار «حرفتي.. مستقبلي»، برنامجاً خاصاً يستهدف فئتي الأطفال والشباب اليافعين تحديداً، وينظم مجموعة من الأنشطة وورش العمل التدريبية والتفاعلية التي تعلّمهم تقنيات الحرف التقليدية، وعبر آليات وأساليب بسيطة، ومواد جديدة، وتوعيتهم بأهمية الحفاظ على هذه الموروثات، واستمراريتها من خلال جعلها أكثر ملاءمة للعصر.
واستعرضت بن كرم جانباً من الجهود التي يبذلها المجلس للوصول إلى الأجيال الصاعدة وتعزيز حضور الحرف التقليدية وفق أشكال معاصرة، قائلة: يسعى «إرثي» إلى إحياء مختلف الحرف التقليدية وتطويرها، وبناء مستقبل مستدام للحرفيات القديمات من ذوات الخبرة والتميّز، إلى جانب اكتشاف مواهب جديدة وصاعدة تسهم في بث أفكار شبابية ترتقي بهذه الصناعات المحليّة وتطلقها في فضاء العالمية، حيث يتم توجيههن إلى تحديث هذه الحرف وجعلها أكثر ابتكاراً ومعاصرة، من خلال إضفاء تقنيات ومواد وألوان مميزة وجديدة تحاكي روح العصر، وتفتح المجال أمام الحرفيات لعرض أعمالهن في أسواق التصاميم والأقمشة العالمية.

عبدالله حمدان بن دلموك

متاحف بتقنية الواقع المعزز
أكد عبدالله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث أهمية إطلاق مبادرات وطنية تهدف إلى توثيق التراث وتدوينه وحفظه من الاندثار من خلال كبار الرواة وشهادات الخبراء من جيل الأولين، مع ضرورة اضطلاع وزارة التربية والتعليم بدور فاعل في تأصيل الموروث الوطني في نفوس الأجيال الجديدة، عبر إدراج مواد تراثية ضمن المناهج الدراسية، ووضع برامج مجتمعية لتشجيع الأسر على تربية النشء على التراث والقيم، وإحياء التراث المادي من خلال تشجيع الصناعات التقليدية، وفتح مشاريع صغيرة للحرف التراثية وتوظيف التطور التكنولوجي لخدمتها، إلى جانب فرض سياسات قوية لتطوير الموروث الحرفي الشعبي بما يتناغم مع إيقاع العصر.
ويعتبر ابن دلموك جذب جيل المستقبل بعد 5 عقود إلى تراثه مهمة وطنية، لن تتحقق بمعزل عن خلق أجواء تحفيزية ومسابقات تنافسية لتقديم أشكال التراث وسيرة الأجداد برؤية جديدة، سواء عبر صناعة مهرجانات دولية للصيد بالصقور والرماية والغوص، يترافق معها عرض مواد فيلمية رقمية، وإنشاء متاحف للتراث تعتمد على تطبيقات الواقع المعزز، لترسيخ العادات والتقاليد في وجدان الصغار والكبار، وحتى يتعرفوا على مآثر الأجداد وتتولد داخلهم مشاعر الفخر والاعتزاز، وتأصيل روح الانتماء والارتباط العميق بالهوية.
وأكد ضرورة إقامة فعاليات مجتمعية تشجيعية ومهرجانات جماهيرية، وبناء محتوى تراثي ذكي بصبغة ترفيهية فرائحية تتسلل إلى حياة المواطن اليومية تحثه على التمسك بعاداته وتقاليده، وبناء تنمية تراثية مستدامة، وإقامة معارض وفقرات إعلانية وتنظيم مسابقات مرتبطة بالتراث على شبكات سوشيال ميديا.
وعن رؤيته لحال التراث مع جيل المستقبل ما بعد 20 عاماً، قال ابن دلموك: أعتقد أن الجيل الحالي واعٍ، ومدرك لقيمة تراثه وموروثه، ومجتمع الإمارات يتصدر المجتمعات القادرة على صيانة تراثها لأن الحكومة الرشيدة تولي التراث ومنظومة العادات والتقاليد جل اهتمامها، وتدعم تعزيز الهوية الوطنية في كافة المجالات، وتضع المواطن في صدارة مقومات نهضة الدولة وازدهارها.

غاية الظاهري

«الإرث الشـعبي» في ثوب عصري
يلعب الباحثون في مجال التراث دوراً حيوياً في الدفع بمكونات «التراث» نحو المشروع الوطني الخمسيني، وترى الباحثة الإماراتية غاية الظاهري أن المبادرات الذكية هي الحل النموذجي لحفظ التراث وتقاليد المجتمع، والإرث الشعبي الغني الذي تركه الأجداد وإحيائه، وعرضه في ثوب عصري يناسب حياتنا اليوم.
وتستعرض تجربة نفذتها لدعم التراث عبر الأنظمة التكنولوجية الذكية، وجعله جزءا من الوعي المجتمعي، مع ابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الموروث، وتتمثل تجربة «غاية» في مشروع «الاستدلال المكاني» الذي نفذته بتكليف من بلدية العين، ويقوم على توثيق شوارع المدينة، وجعلها جزءا من التفاصيل اليومية لحياة الناس،لإحداث الأثر على الحس «اللاواعي» في استخدام الأفراد للطرق أثناء حركتهم بين الأحياء، وقالت إنها اعتمدت على خرائط المدينة الموثقة، وتحركت في تسجيلها للشوارع وفق التتابع الطبيعي لمعنى كل اسم، معتمدة على مبدأ «سهولة الاسم»، على مستوى النطق أو الفهم، وبمجرد إطلاق التطبيق الذكي، سيتاح للمستخدم الاطلاع على الموروث عبر أحد مكونات التراث وهو الشارع.
وأكدت الباحثة غاية الظاهري أنها عكفت على المشروع لمدة 3 شهور، وما سيكون لافتاً هو تأثيره على المستخدمين، سواء أهل العين أو القادمين إليها ، فهم سيضعون تلك المسميات في محرك البحث الخاص بالبرنامج، الذي سيحفظ لهم المكون الحيوي في الذاكرة الجمعية للمكان.
وتستعد غاية لإطلاق كتابها ذاكرة الأشجار الذي يوثق روح المكان من خلال التركيز على أهم 4 أشجار معمرة في مدينة العين، وهي: الغاف والسدر والقرب والسمر، ويتيح الكتاب فرصة اكتشاف تلك الأشجار بشكل حيّ، عبر تقنية «الباركود» التي من شأنها أن تساعد مقتني الكتاب على أن يتطلع إلى الأشجار وأحجامها في مواقعها الأصلية في المدينة، وهنا تحديداً ركزت الظاهري في حديثها على أهمية دخول التراث في الأنظمة التفاعلية عبر التقنية الحديثة.

خريطة وطنية للمواقع الأثرية
يطرح الباحث التاريخي فيصل النقبي، سؤالا يتعلق بحق الأجيال القادمة في التراث، وهو سؤال مصيري، يتحمل الجيل الحالي الرد عليه بإجابات شافية خاصة مع الدخول في الخمسين الجديدة، حيث تتضاعف المسؤولية على عاتق الجميع دون استثناء، ويتوجب إنشاء العديد من المتاحف الترفيهية بأرجاء الدولة بتقنيات الواقع المعزز، مع ترميم بعض المواقع الأثرية وإنشاء فروع لمراكز التراث في كل شبر من الدولة، وهذه مهمة وطنية بالمقام الأول، انطلاقاً من تأكيد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «بأن الماضي جزء مهم من الحاضر ومن المستقبل ومن ليس له ماض ليس له حاضر».
وشدد النقبي على ضرورة إنشاء مراكز بحث للتراث والأشعار والمسميات والأماكن التاريخية، وتشجيع الناس على ارتيادها، ووضع الخطط اللازمة للاستفادة من وفرة الأماكن التراثية في دعم السياحة الداخلية والخارجية، مع المحافظة عليها من العبث والتلف والتدخلات البشرية المختلفة، والأهم حالياً وهي الخطوة الأولى أن يتم تصنيف الأماكن التراثية ووضع خريطة وطنية جامعة لها، مع توفير حماية كاملة لهذه المواقع ومنع العبث بها أو تغييرها في المستقبل، كما يجب أن نستغل مثل هذه الأماكن في إقامة الفعاليات الوطنية والدولية وإعادة صياغة الرسالة الإعلامية حولها عبر تكثيف النشر بكل الوسائل.
وأشار النقبي إلى ضرورة وضع خطط شاملة للمحافظة على الأبراج والقلاع، وحمايتها من الاندثار، وبرامج للترميم الصحيح، وإدراج المعالم التراثية في المناهج الدراسية بطريقة تناسب كل مرحلة وتكثيف الحصص التراثية في المدارس.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©