الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الرسوب» ليس نهاية المطاف

«الرسوب» ليس نهاية المطاف
21 يوليو 2019 03:30

نسرين درزي (أبوظبي)

مع الفرح العارم الذي تعيشه أسر كثيرة بنجاح أبنائها وبناتها في النتائج النهائية للعام الدراسي، لا يتنبه البعض إلى حجم المعاناة التي يواجهها آخرون ممن رسبوا في الامتحانات، ومع أن الرسوب ليس نهاية المطاف وإنما مجرد حجر عثرة تزول بزواله العقبات، ومع أن عدم الانتقال إلى صف جديد لا يعني الفشل عموماً، إلا أن المفهوم السائد والنظرة السلبية تجعل الأمر أكثر تعقيداً مما يستحق، وبدلاً من تشجيع الطالب على تحويل الأمر إلى حافز للتصحيح والاستمرار بإرادة وعزم، تأتي عبارات التوبيخ وتحطيم المعنويات لتزيد الطين بلة وتترك في داخل الطفل أو المراهق ما لا تتحمله مشاعره الرقيقة، وتراكمات نفسية إن لم يتم تداركها قد لا تحمد عقباها.
الجميع يعلم أن قدرات الأطفال ليست واحدة سواء في الدراسة أو في مهارات الحياة، وسواء كان الطالب مجتهداً في المذاكرة طوال السنة ووقت الامتحان أم كان يتملل ويتلكأ ويقصر، فهذا لا يعني أنه غير نافع، وليس مقبولاً نعته بالفاشل أمام رفاقه أو حتى في البيت، حيث يؤكد علماء النفس أن الرسوب في المدرسة يترك علامات كثيرة على شخصية الطالب، ومن الضروري تداركها وتحضيره مسبقاً لاحتمال مثل هذه النتيجة التي يجب التعامل معها على أنها استراحة على الطريق وليست محطة، وأن الثقة بالنفس هي الدافع الأساسي لاستكمال الدرب حيث تفتح أمام الطالب نوافذ النجاح في أكثر من مجال وأكثر من فرصة.

الداعم الأول
وروت نوال إدريس تجربتها في الرسوب بالمرحلة الثانوية، حيث سيطر عليها شعور بالإحباط الشديد، لاسيما أنها كانت تحاول اجتياز امتحان الفيزياء لكن الأسئلة جاءت صعبة جداً. وقالت إن أمها كانت الداعم الأول لها وقد بددت مخاوفها وشعورها بالفشل، ونصحتها بعدم الاستماع إلى تعليقات الآخرين وإنما التركيز على هدف النجاح في السنة المقبلة، وهذا ما حدث بالفعل، وبعدها تخرجت في المدرسة وانتقلت إلى الجامعة وتخصصت في الدراسات الإنسانية وعلم النفس، كرد فعل على كل المشاعر السلبية التي راودتها وقتها ولم تجد لها حلاً سوى التحلي بالصبر والثقة بقدرتها على اجتياز المرحلة.
وأشارت إدريس إلى أن هذه التجربة جعلتها توجه أبناءها ناحية التحصيل العلمي من باب الاستفادة من المعلومات وليس الحفظ لمجرد النجاح والحصول على العلامات المطلوبة.

علاج نفسي
وذكر سالم النيادي أنه أخطأ في التعامل مع مسألة رسوب ابنه الأكبر في الثانوية العامة، إذ تفاجأ بالأمر ولم يكن مطلعاً على مستوى تحصيله العملي كما يجب، وقد عاقبه بشدة ووصفه بعبارات تسببت له بأزمة نفسية مما جعله يرفض إعادة الصف ويقرر البقاء في البيت. وتابع قصته قائلاً «فعلاً جلس ابني سنتين في البيت وكان خروجه نادراً لأنه انقطع عن التواصل مع رفاقه بحجة أنه لا يريد أن يرى النظرة الدونية في عيونهم».
واعترف الأب أنه ساهم بنسبة كبيرة في إحداث هذا الخلل بنفسية ابنه بعد ردة الفعل العنيفة التي تلقاها منه نتيجة خبر الرسوب، مما اضطره لاصطحابه إلى العيادة النفسية ومواصلة العلاج لأكثر من سنة، رأى بعدها أن الحل الوحيد هو تخطي الرسوب ومتابعة تحصيله العلمي، وهو اليوم يدرس هندسة صناعية في الجامعة ويتحضر للتخرج خلال الفصل المقبل، ونجاحه علّم والده أن الطموح رسالة في الحياة وليس مشروطاً بعدد سنوات قد تزيد أو تنقص بلا أي تأثير على الهدف النهائي.

زيادة العبء
وروت مريم سيف قصة ابنها مع التحصيل العلمي، قائلة إنها ساهمت في زيادة العبء عليه، لأنها منذ البداية لم تعترف بضعفه في الكثير من المواد وأصرت على أن ترفعه من صف لآخر حتى إنها غيرت له المدرسة أكثر من مرة. وأوضحت أنه عندما وصل إلى الصف الثاني عشر اصطدم بجدار الواقع، وجاءت علاماته متدنية حتى إن الأساتذة نصحوه بعدم التقدم إلى الامتحانات والانتظار حتى السنة المقبلة لمعاودة الصف، وإن كانت المذاكرة من البيت. وأضافت أنها ضغطت على ابنها واستعانت بأكثر من أستاذ لكنه مع ذلك رسب في أكثر من مادة، وكان من الصعب عليه مواجهة الموقف أمام رفاقه ومدرسته، حتى إنه اشترط تغيير المدرسة أو الاستغناء بالمطلق عن فكرة دخول الجامعة.

التعامل مع الرسوب
عن الدعم الاجتماعي الذي يحتاجه الطلبة الراسبون تحدث الاستشاري التربوي وسيم قدورة، موضحاً أنه من الضروري التعامل مع مسألة الرسوب بأسلوب واقعي والتخفيف قدر المستطاع من وطأته على الأطفال واعتباره درساً في الحياة للعبور مرة أخرى إلى بر الأمان. وقال إن هذه المنظومة تتكرر سنوياً في عدة بيوت، ويخطئ الأهل الذين يظهرون خيبة أملهم بأبنائهم ممن لم يحالفهم الحظ ويعملون بذلك على انكسار ثقتهم بأنفسهم وعدم الرغبة في المحاولة من جديد، رغم أنهم مطالبون بأن يظهروا كل الدعم والتشجيع على اعتبار أن الدراسة هي مرحلة مهمة من الحياة ولكن ليست الحياة بأكملها، والنجاح الأكاديمي يساعد في حياة أفضل بغض النظر عن عدد السنوات الذي قد يستغرقه مع الأخذ في الاعتبار أن ما قد يكون سهلاً على البعض، هو صعب على آخرين ويتطلب المزيد من الوقت لاستيعابه.

نصائح للأهل
بالانتقال لتوصيف كيفية تعامل المجتمعات مع حالات الرسوب، أكد الاستشاري التربوي وسيم قدورة، أننا بحاجة إلى المزيد من الوعي لعدم جلد الطلبة مهما كانت مستوياتهم العلمية، ومن الضروري التفاعل مع أي شخص على أنه عنصر مهم في المجتمع ومكوّن أساسي من حقه أن يشعر بوجود بيئة حاضنة من حوله، دورها دعمه في كل محاولاته وفي مختلف مراحله العمرية. وهنا ينصح الأهل بالتشاور مع أبنائهم عند الرسوب ما إذا كانوا يفضلون إعادة الصف في المدرسة نفسها أو تغييرها لتجنب الإحراج، وشدد على وجوب عدم تفردهم في قرار الانتقال أو عدمه، لأن الأمر أولاً وأخيراً يتعلق بالطالب نفسه وبشعوره بالارتياح لاستيعاب هذه التجربة وتخطيها إلى درب النجاح.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©