الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الموسيقى.. لغة عالمية للتعايش والتسامح

الموسيقى.. لغة عالمية للتعايش والتسامح
12 سبتمبر 2019 02:54

روعة يونس

شكّل ظهور نوع موسيقى جديد «الأوركسترا السمفونية» في القرن الثامن عشر نواةً أسست فيما تلاها من العقود لموسيقى الفكر الإنساني، درءاً لكونها مجرد موسيقى أفراح ورقص واستمتاع أو أحزان وروحانيات دينية. وتبلورت وانتشرت ودامت وصولاً إلى يومنا هذا الذي تتبنى فيه الموسيقى قضايا إنسانية عليا كنبذ التمييز العنصري والحروب والعنف والتمايز الطبقي والقمع والظلم. وتعزز قيم المحبة والتسامح وقبول الآخر والتعاون والسلام. فيما لم يتوقف دور الإمارات على استضافة ورعاية أمسيات فنية لفرق أوركسترا سيمفونية على أرضها.

تميزت الموسيقى قبل دخولها عالم «السيمفونية» في كل العصور ولدى كل الشعوب بخصوصيات لكل منها تختلف عن الأخرى. إذ يذكر الباحث الميثولوجي فراس السواح في موسوعة «تاريخ الأديان» كيف أخذت الموسيقى تتبلور وتتشكل وفق مقدار إنسانية كل عصر وتقاليده! وصولاً إلى الشعوب القديمة في بلاد الفراعنة وما بين النهرين وسوريا الكبرى وقرطاج والإغريق والرومان والصين... يقول السواح في أحد كتب الموسوعة: «ظهر فن السيمفوني خلال عصر الباروك، مع نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر بكل ما يحتوي هذا الفن من ألحان رائعة ومجهود عظيم وفكر وآلات يعزف عليها بشكل جماعي لخدمة الجمال الإنساني العام لا الشعبوي. ولم تقتصر على إطراب السامع لموسيقىها الأخاذة. بل مررت عبر حركاتها مجموعة من القيم عبر حكايات أسطورية -مثلما كانت تتلى الأساطير في الاحتفالات الدينية العامة كأعياد رأس السنة البابلية- تتراوح أفكار تلك السيمفونيات بين المحبة ورفض الحروب ومقاومة الشر وانتصار الخير».

مخاضات الروّاد القدامى
ازدهرت السيمفونية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، على يد مؤلفين موسيقيين عظام، يصفهم المايسترو عدنان فتح الله، عميد المعهد العالي للموسيقى بدمشق، بأنهم «موسيقيون لا يقيمون حفلات في البلاطات الملكية والكنسية. رغبوا بعد أن قدموا عدة سيمفونيات أن يخرجوا من أعمال تحاكي الطبيعة وقصص الحب والحكايات الأسطورية. وعانى معظمهم من أمرين، إذ لم يكن هذا الفن الجديد مقبولاً لدى الكنيسة والمتطرفين (نجد ملامح ترانيم وصوتيات كنسية في السيمفونيات القديمة- القرن 18). ثم لم يكن سهلاً أن تعزز موسيقىهم التعايش والمساواة (نظراً للمجتمع الطبقي والعنصري) والبعض منهم كان منبوذاً! لكنهم قدموا موسيقى ذات ملامح إنسانية، منهم على سبيل المثال (هاندل، شوبان، موزارت، روسيني)».
يدعم هذا الرأي المؤلف الموسيقي مراد داغوم، ويقول: «عانى بيتهوفن -وهو فريد عصره- كما أسلافه لتمرير موسيقىه الإنسانية. التي عانت بدورها من مخاضات لقبولها على نطاق أوروبي. فقد عاصر بيتهوفن مجموعة من الثورات والانتفاضات التي وقعت في القارة الأوروبية وتشبع خاصة بأفكار مناهضي الطبقية والعنصرية مما انعكس على موسيقىه». يتابع داغوم مشيراً إلى مخاضات بيتهوفن، يقول: «تجلّت في السيمفونية التاسعة «نشيد الحرية» قمة الفكر الموسيقي- الإنساني، لدى بيتهوفن، إذ طرح قضية إنسانية عمرها قرون، فكل القوة والثورة والانفجار في الآلات الإيقاعية والنفخية في الحركة الأخيرة- الرابعة، التي تنشد:
(يا أيها الفرح ضم شمل النازحين
ومن فرقتهم صروف القدر
فالناس جميعا أخوة تظللهم بجناحك
أيتها الحريه العلوية
ليحتضن البشر بعضهم بعضاً)
لقد جيّرها لتصوير معاناة الإنسان من الظلم والعنصرية في أوروبا، سواء كان شكلها تاريخياً أو ثقافياً أو اقتصادياً، أو كانت اثنية أو عرقية أو دينية، وبالمثل كان المخاض بانتظاره قبل وبعد إنجاز «السيمفونية» حيث ذكرت صحيفة إنجليزية أن الجزء الأخير منها؛ بقسوته وصخبه، لا يعني المناهضة والرفض، بل يعني أن بيتهوفن فقد سمعه كلياً»!

ابتكارات عظيمة
يشيد العازف العالمي دييغو ليفريتش- مايسترو فرقة «الباروك» الخاصة به ويقوم حالياً بجولة فنية في بلاد الشام- بموسيقى الروّاد الأوائل، وكذلك بمؤلفي موسيقى السيمفونية في القرن الماضي، يقول «بفضل الرواد الأوائل ومن تلاهم في القرن الماضي أمثال (شوبرت، فاغنر، فيردي، تشايكوفسكي) وغيرهم، عرفنا فنون الكلاسيكية والسيمفونية والأوركسترا والأوبرا والكونشرتو والصولو، وإضافة حركة رابعة إلى الـSonata- minuet- Ternary- rondo. والأهم قدموا للعالم أفكاراً إنسانية تتعلق بحياة الناس وثوراتهم وحرياتهم وجوهر إنسانيتهم. ربما لو لم يقدموا هذه الابتكارات العظيمة، لا أدري إن كنا سنقدمها الآن ونعاني مما عانوه من رفض جديدهم المبتكر وأفكارهم المعنوية «الأخلاقية».
ويقدم الناقد الفني د. سعيد قاسمي، نماذج عززت موسيقى التسامح خلال القرن الماضي، يقول: «شهد القرن العشرين توسعاً وتطويراً في العمل السيمفوني على الصعيد الفكري الإنساني. بسبب نشوء أحداث مهمة جداً أختصرها بثلاثة نماذج تؤكد أن الموسيقى السيمفونية كانت صدى أصوات هذه الأحداث وداعية للسلام والتسامح. النموذج الأول خلال الحرب العالمية الثانية والتي أسفرت عن «كارمينا بورانا» للمايسترو كارل أووف، وتتحدث عن القدر والحرب والقهر والظلم والدعوة إلى الحق والعدالة. ونرى النموذج الثاني في حصول المايسترو مكلوس روزا في السبعينيات على أوسكار أفضل موسيقى لفيلم عن الزعيم مارتن لوثر كينغ الذي اغتيل وذهب ضحية قضيته الإنسانية العادلة ضد التمييز العنصري رافضاً العنف بكل أنواعه. ونرى النموذج الثالث مع المايسترو سفير الأمم المتحدة للسلام، دانيال بارينبويم، وتهدف موسيقاه إلى تعزيز التفاهم والسلام. ألا يعكس هذا كله التسامح والسلام في موسيقى السيمفونية العالمية؟».

كوكبان.. أنا والآخر
في لوحة موسيقية سيمفونية، وغنائية أوبرالية، تعكس مشاعر طامحة تنشد التسامح وهدم الجدران بين الشعوب وبناء جسور المحبة، تجول الفنانتين سفيتلانا وجمانا؛ بلاد الله الواسعة بعرض لموسيقىهما وصوتيهما المشبعان قوة وعذوبة في آن معاً، الرافضان لكل أنواع التمييز ورفض الآخر.
تقول العازفة والمطربة الأوبرالية جمانا: «تكريساً لفكر التسامح الذي هو شأن إنساني عالمي يخص البشرية، كما الموسيقى بلغتها العالمية التي تصل رسائلها إلى الأذن والقلب والضمير، قدمنا عدة معزوفات بعدة لغات تمجد الإنسانية وحسن التعايش والتسامح كي يمضي العالم إلى الإنجازات بأمان وسلام عوضاً عن استغراقه في الحروب والمآسي والخصام. لأن السيمفونيات في صداها هي صوت إنسان الخير والمحبة والتسامح والتعايش. صوت الحياة».
من جهتها تقول العازفة الأوبرالية سفيتلانا-أستاذة في المعهد العالي للموسيقى: «فكرة الغناء والعزف المشترك مع جمان، تنطلق من فكرة أننا في عالمين، كما كوكبين في السماء، نحاول عبر الموسيقى والغناء الأوبرالي مدّ الجسور بيننا. تعبيراً عن رفضنا ورفض الموسيقى لكل حالات التباعد الإنساني والتشنج والتطرف والمواقف العنصرية».
من جهة أخرى يعتبر المطرب شادي جميل أن الشرق مهد السيمفونية! ويوضح بقوله: «إن أول سيمفونية موسيقية في العالم هي سيمفونية «حرائق نينوى» وقد تم تلحينها في بلاد ما بين النهرين من قِبل الآشوريين عام 615 قبل الميلاد، عثر عليها المنقبون مدونة على رُقُم طينية بين خرائب نينوى القديمة وأعادوا عزفها بعد فك شفرة سلمها الموسيقي القديم. وإنما أذكرها لأن مقاطعها بحسب -الباحث التاريخي حسام سفان- تتحدث عن الحرب وعدم التعايش مع الأقوام، والتسامح والتجانس والسلام».

الشرق يعزف التسامح
يشير المايسترو أندريه معلولي، رئيس دار الأوبرا السورية، إلى أهمية دور الشرق على مدى العصور في طرح موسيقى السلام والتسامح، خاصة في عصرنا الحالي. يقول «لدى العرب مؤلفين موسيقيين عظام ألفوا سيمفونيات تعزز السلام والتسامح، وقادوا فرقاً موسيقية أهمهم (صلحي الوادي، سليم سحاب، عمر خيرت، ناير ناجي، نادر العباسي، فريد الراعي، الرحبانة، ميشال فاضل، ميساك باغبودريان، عدنان فتح الله) وغيرهم. يسترسل مضيفاً: «شرفني أنني قدت الفرقة الموسيقية في دولة الإمارات أكثر من مرة، وقدمنا مجموعة معزوفات موسيقية ترجمت عبر لغتها العالمية مفاهيم التسامح والتعايش والسلام التي لمسناها في المجتمع الإماراتي قبل تقديم عروضنا الموسيقية».

جانيت فرح: الإمارات تعزز قيم التسامح بكل مفاهيمه
تقول د. جانيت فرح، مستشارة دولية في الموسيقى العالمية: «ما يجب التنبه له أنه بعد زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى دولة الإمارات وعقد القمة العالمية للتسامح على أرضها، ومن ثم إقرار عام 2019 عاماً للتسامح في الدولة، بات التوجه إلى إطلاق موسيقى التسامح في بلادنا العربية جلياً. إذ التقط (الموسيقيون الكبار) هذا التوجه العصري والإنساني، وعملوا على ضرورة أن يكون الفن في خدمة قيم التسامح. فوجدنا صدى تلك الدعوة النبيلة في تأليف «سيمفونية المحبة» وإنتاجها في الإمارات احتفاءً بانعقاد القمة، وقد حملت رسالة تؤكد أن العالم المتحد يمكن أن يحقق ما لا يمكن للجماعات المنفردة إنجازه. إلى جانب العديد من السيمفونيات التي تم تقديمها أو تلك التي يتم الإعداد لها في (دبي أوبرا) تعزيزاً لقيم التسامح بكل مفاهيمه، إضافة إلى المعزوفات التي قدمتها الأوبرا المصرية مع المايسترو أحمد الصعيدي، ومجموعة الأغاني التي قدمتها اللبنانية تانيا صالح ضمن سهرات الأوبرا الرمضانية. وأيضاً السيمفونيات التي أطلقتها الأوبرا السورية بقيادة المايسترو معلولي في احتفالات عيدي الفطر والأضحى المباركين الماضيين».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©