الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإبداع باحثاً عن بصمته

الإبداع باحثاً عن بصمته
20 سبتمبر 2018 01:01

اشتهرت عبارة الأديب الفرنسي بوفون (القرن 18):«الأسلوب هو الإنسان»، واشتهرت العبارة البصيرة لـ (النفري): «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، ولن يتحقق ذلك إلاّ إذا تمتع المبدع بـ (بصمة روحية) تختزل العالم في كلمة، على حد تعبير «أرشيبالد ماكليش»، أو تختزل الكون في نقطة تبعاً لمفهوم ابن عربي. إذن، بإمكاننا القول: كلما كان المعنى غزيراً مكث الطوفان في النص المكثّف، وبهذا المفهوم، فإن النص الذي يتحدّى الزمان هو الذي يمكث وراء الزمان كمتغيرات متجددة، حالته تشبه تداخلات اللهب مع الشعلة والجمر، وتداخلات الماء مع الغيم والمطر والنهر. وبناء على ما تقدم، نستطيع التأكيد: إن «البصمة الروحية» تكمن في الكيفية، و«الكيفية» سر الأسرار الفنية، وسر السرائر البصرية، ليس بالرؤى فقط، بل في كيفية كتابة هذه الرؤى بجماليات استثنائية مبهرة.

ترى، إلى أي احتمالات تشير «البوصلة الجمالية» للمشهد الثقافي العربي السعودي؟
إنه كأي مشهد ثقافي عربي وعالمي، يتشكّل من فسيفساء متنوعة، في المجالات الأدبية وأجناسها كافة، والمجالات الفنية وتحولاتها، والمجالات الفكرية ومتغيراتها الأخرى.
والمتابع لهذا المشهد، يلاحظ كيف انبثقت عدة تجارب شعرية، سردية، نقدية، تشكيلية، ومسرحية، وكيف خرجت الثقافة عن تقليديتها، إلى فضاء الحداثة المعاصرة، على صعد عدة، تؤكدها عدة مؤشرات خلال نصف قرن، ومنها: إصدارات المؤلفات والكتب، الأندية الثقافية، المجلات الأدبية والعلمية المختلفة، معارض الكتب الدولية، إقامة الفعاليات والمهرجانات المتنوعة الداخلية والخارجية، والمشاركة في الأنشطة ومعارض الكتب المحلية والعربية والعالمية، إضافة إلى العديد من الجوائز الأدبية والعلمية.
لكن، ما أهم ما يميز الثقافة العربية السعودية المعاصرة؟
يشير الخط البياني إلى نهضة ملفتة تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وتواصلت، رغم التذبذبات التي أصابتها بين ارتفاع وهبوط، إلاّ أنها، و (قبل)، و (بعد) الأحداث التدميرية الأخيرة التي أصابت الوطن العربي والعالم، استمرت في تحديد وتجديد مساراتها المختلفة، مؤكدة على عدة نقاط، أهمها الإحساس الوطني العروبي، الإضافة الحداثية لما ابتكرته الجذور الأولى للثقافة، الانزياح عن الصيغة المباشرة المألوفة إلى الصيغة الاحتمالية للمعنى، وبناءات الأنساق اللغوية والصوتية والدلالية، ومتغيرات النص اللامقروء، بغية التحليق مع اللحظة الإبداعية رؤيوياً إلى الشفيف العميق من (الكلام) تبعاً لمفهوم ومدلولية «الكلام -Parole Speech»، لدى فرديناند دو سوسير. ولذلك، يلاحظ المتلقي بروز التشاكلات بين الواقعية السحرية، والرمزية، والأسطورية، والفانتازية، والتجريدية، إلى جانب الكلاسيكية، والتقليدية، والمباشرة، ومغامرة ما بعد الحداثة على صعيد الرواية والقصة والقصة القصيرة جداً، والقصيدة بحضورها المختلف، ومنه قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، وصيغتها الفنية بين (القصيدة المشهد، القصيدة الصورة، القصيدة الحدث، القصيدة المركـَّبة، قصيدة الهوامش واليوميات)، إضافة إلى حضور النص العابر للأجناس.
أمّا بالنسبة للنقد، فلم يعد يقبل أن يكون جسراً بين المرسِل والمرسَل إليه، بل اجتاز ذلك إلى مفهومه الجديد، كعملية تشاركية تجمع القارئ بالنص بالمؤلف، فلا يموت أحدهما ليحيا الآخر، كما في (موت المؤلف/‏‏‏‏‏ رولان بارت)، بل يسهم كل منهم في تكوين الآخر، وهنا، نكون أقرب إلى (القارئ في الحكاية/‏‏‏‏‏ أمبرتو إيكو)، و(التفكيكية/‏‏‏‏‏ جاك دريدا).

مشتركات
ويمكن القول إن أهم مشتركات المشهد الثقافي بشكل عام، تتلخص في عدة نقاط تلخص التكامل الأدبي الباحث عن ملامح متجددة ضمن حركة الحداثة ودورانها المتحرك بين الموروث الديني، التاريخي، السياسي، الثقافي، الاجتماعي، القومي، الجغرافي، الأدبي، الأسطوري، الملحمي، الصوفي.
وضمن هذه الشبكة المتشابكة من الراهنية، نجد كيف تتفاوت التجارب العربية السعودية بين (التقليدية) و(الكلاسيكية) و(الحداثية)، وكيف يتنامى السرد بتسارعيّة إذا ما قارنّاه بكل من الشعر والنقد والسينما والتشكيل.
ومتابع الحركة الثقافية، يكتشف، ببساطة، كيف تولي النصوص الجانب الفني اهتمامها المعاصر بحيث لم تعد القصة أو الرواية مجرد حكاية، بل بناء فنياً متكاملاً يجمع المتن بالمبنى ضمن كيفية جمالية، ولم تعد القصيدة نظماً، أي مجرد موسيقا خليلية أو تفعيلية، مع التأكيد على مفهوم (النص) بشموليته الواسعة التي تضم الأجناس الأدبية، إضافة إلى اللوحة، والصورة، والنحت، والفيلم، والمسرحية، وغير ذلك.
ولنتساءل: أين تكمن العناصر الفنية؟ وما أهم الميزات الشعرية والسردية والنقدية والتشكيلية؟
تاركين الإجابة لبعض الأعمال التي قرأناها بانورامياً:

أولاً: السرد نزوح إلى الإدهاش
تختلف حالة المقول وكتابته تبعاً لروح المؤلف وثقافتها وطريقة انسياب الإحساس والمخيلة والذاكرة، إضافة لعوامل أخرى منتجة لبنية السرد الروائي والقصصي، ومنها «زاوية التبئير»، «أفق التوقعات»، الشخصيات الأساسية والثانوية، الخاتمة وطبيعتها، البداية وأسلوبها، اشتباك الانسجام بين الفضاء الأبيض (اللا مقروء واللا مكتوب) مع الفضاء الأسود (المقروء والمكتوب)، ثم التساؤل عن أيّ أثر لا يقبل المحو لأنه أثر مضاد للزمان، متناغم مع أيّ إنسان في أي مكان؟ ربما، تجيبنا عن ذلك أعمال سردية لا تحصى، إلاّ أنني اخترت تجربة كل من: د. غازي القصيبي، وعبد العزيز مشري.

القصيبي.. كاريكاتير كتابي
يشتهر الشاعر الروائي د. غازي القصيبي (1940/‏‏‏‏‏2010) بقدرته المبدعة على تشبيك الواقع بالمخيلة لينتج من المفارقات بنية ثالثة للنص، تتحرك ديناميكياً بين البنية السطحية والبنية العميقة، تحركاً ساخراً، ناقداً، مثقفاً، إيجابياً، كاشفاً، لنا أن نصطلح عليه (الكاريكاتير الكتابي)، المنساب بلغة مألوفة وسهلة، لكنها عميقة دلالياً، ونازحة خارج «أفق التوقعات»، وهذا ناتج عن اصطدام الأبعاد السياسية والثقافية والسيكولوجية والنفسية والمجتمعية، لتلتقي في لحظة كتابية تتجاذب فيها أزمنة الماضي مع القادم، ولتتفلت من جديد من شبكتها الراهنة المنتشرة، لتعيد تركيب وترتيب بنيتها على صعيد: الأحداث، الشخوص، الأزمنة، الأمكنة، متخذة المدار الإنساني كمقصدية أساسية، يتوازى فيها الوطن العربي وآلامه، مع الصراعات الداخلية المتواصلة للمواطن العربي، مع الصراعات المتلاحقة بين الأمة العربية وذاتها، وبينها والعالم الآخر.
ود. القصيبي الذي أصدر العديد من الأعمال السردية،منها (العصفورية) و(دنسكو) و(الجنية) و(الزهايمر)، سيظل علامة فارقة في تاريخ الرواية العربية، كونه يبني سخريته من الواقع بطريقة تجمع التراجيديا بالكوميديا، في الآن ذاته، ضمن «شكل إبداعي»، والشكل هو (الشكل والمضمون) بمصطلحات النقد الحديث، يتسم بالنص السردي المثقف، علمياً، أدبياً، سيكولوجياً، سوسيولوجياً، وحياتياً، لأنه يزخر بـ (عوامل) و(عوالم) مختلفة، تتشابك أحداثها، وتتوازن الشخصيات مع منطوقها، وتتحرك بيئتها النفسية والموضوعية بأسلوبية الانبثاق من المفارقات المحلية والعربية والعالمية، وأنمذِج لذلك بـرواية (العصفورية) وشخصية الفراشة والجنية، كبطلتين إحداهما فوق الأرض، وثانيتهما تحت الأرض، وما ينتج من أحداث بين هذين العالمين، وما ترصده الحركة المتنامية من المكانية النفسية، والمكانية الواقعية، وما تعكسه التحولات المبنية على النص المثقف علمياً وأدبياً ونفسياً وسياسياً، موحياً بتداخلات الحكمة الحياتية المتنوعة لواقع عربي مصاب بـ (الزهايمر).

مشري.. وحرب الحصون
ينطلق عبد العزيز مشري (1955/‏‏‏‏‏2000)، من رؤى كتبها في (مكاشفات السيف والوردة)، ومنها قوله: «الدراما التي يشكلها النسق الكتابي، في الغالب تكون من داخل علاقتي ـ ولو التصورية ـ والقادمة من الواقع مع نمنمات البناء حتى يكتمل)، ومن هذا التفاعل مع الواقع ودراميته، نلاحظ في روايته (الحصون)، كيف يوحي للقارئ بأن هناك أحداثاً محذوفة، لتكتبها مخيلة القارئ، إضافة إلى اعتماده على نسق مسكوت عنه، أو غائب، لكنه قابل للاكتشاف من خلال (26) مقطعاً، تألفت منها الرواية المبدوءة بـ «.... فتشابه حاله مع حال الذي نسي وفاة أبيه وأبهج نفسه في العرس»، ثم تنفتح الدرامية الناقدة، الساخرة، الكاشفة، لتجعل من (أنا) الراوي، شهرياراً راوياً، بديلاً لشهرزاد، وتتوالى البنية متناسلة حكاية من حكاية، لتخبرنا عن حروب الحصن القديمة والمعاصرة والآتية، والمستمرة ليال وليلة، لمدة حولين، وسببها المباشر: «حاصل السبب أن رعيانهم من الأولاد والبنات، سرّحوا غنمهم في حمانا، فاختلطت غنمهم بغنمنا، منعوهم رعاتنا من الأولاد والبنات فما انتهوا»، وهكذا تبدأ الحروب من دون أن تنتهي، بينما يظل ديك الحصون بطلاً يصيح كالممسوس، وكأنه يكرر مع الرواية: «تحفرها أصغر الفيران وتقع فيها أكبر الثيران»، منتقداً بلغة تتداعى بين الواقعية والواقعية السردية، منجزة نصين متداخلين، هما نص الحاضر ونص الذاكرة، المتشعبين في مكانية الشخوص، والممتدين إلى مكانية أوسع، تتحرك بين (الحصن الشامي) و (الحصن اليماني).
ألا تحيلنا هذه الرواية الصادرة عام (1992) إلى استفهامات كثيرة عن الواقع العربي؟

ثانياً: صورة الشعر وتحولاته
يختلف الخط البياني الشعري بين الشاعر وذاته أحياناً، وهذا التباين في الارتفاع والهبوط، معيار طبيعي للذبذبات الفنية وعواملها وعناصرها وتداخلاتها المرئية (بين) و(من) الفضاءين: (المكتوب) و(اللا مكتوب)، ولعلنا نستنتج تلك التحولات من خلال إطلالة سريعة على ثلاثة تجارب متنوعة، وهي ثريا العريّض، سعد الحميدين، صالح الحربي.

العريّض وتداخلات الأنا
تتبع الشاعرة د. ثريا العريض، (أناها) المؤنثة في قصائدها، نابشة عن (أركيولوجية) تلك (الأنا) من خلال الرموز الإنسانية الموروثة والطبيعة المرادفة للحياة والحلم والآتي، مثل (ليلى، عشتار، شهرزاد، حواء، سافو، إيزيس، بلقيس، زرقاء اليمامة)، لا سيما في مجموعتها (امرأة.. دون اسم)، لتوصل للقارئ أن الأنثى العربية هي كل الأسماء: «كل هذي الوجوه.. أنا، التي الحلمُ بأعماقها لا يموت، والتي دفنتْ حلمها في البيوت»، وتضيء هذه الفنية من خلال قصائدها المعتمدة على الصور المكثفة، والإشارية، والبوحيّة، والمشهدية، والسردية، والصوتية، وتلتقي هذه الأبعاد في إيقاعات الخلفية لقصيدة العريّض، المبنية على ثيمتين: ثيمة التداعي المتواشجة مع الوظيفة التوصيلية للغة، وثيمة الحركة الدرامية المتنامية، وما بين الثيمتين، يكمن السر الجمالي لشعرية العريّض، إضافة إلى الرهافة الواضحة، التي تختار الرومانسية حيناً، والرمزية حيناً آخر.

الحميدين.. وذاكرة المخيلة
بينما يستشفّ القارئ كيف يحافظ الشاعر سعد الحميدين على إيقاعات القصيدة الكلاسيكية، ويكتبها بحداثة، ناتجة عن الصورة متعددة الحواس، والحلم الراحل إلى حركته الختامية، إضافة لتجربته مع قصيدة التفعيلة والنثر.
والملفت أن الحميدين يبتعد عن الدلالات الفيزيقية الأولى للقصيدة، متجهاً إلى عوالم رؤيوية، تدمج بين الصوفي والرمزي والسوريالي، منتجاً صوراً شعرية، تجمع مخيلتها بذاكرتها الموروثة العربية والإنسانية، وأمثّل لذلك بمجموعته (للرماد نهاراته)، التي تشير إلى (أبو تمام، المعري، كافكا، هوميروس، المهلل)، وتركز فنياً على دلالات (الراء) الرائية، الموزعة هارمونياً إلى أربعة عناوين: (رحلة المراحل، متوالية الصورة الأخرى، قاب قرنين، للرماد نهاراته)، تبرز من خلالها تنويعات للصورة الشعرية، منها الصورة الجملة، صورة الحركة والسكون، الصورة التكويرية، بانياً رحلته الرائية على تساؤل عن جوهر وجودنا العربي: «اقرأ صفحات سجلت كنا، وكنا، ولكن كيف أصبحنا، لا أدري، لعل.. عسى.. صفحة أطّرتها، أسند اليوم مضامين سؤالي/‏‏‏‏‏ ربما لا زال في الفانوس زيت».

الحربي.. والقصيدة التشكيلية
هناك شعراء تشكيليون، مثل صالح الحربي، الذي لا تخلو قصائده من ظلال الألوان وصورها، وإشاراتها التي تتناوب حساسية العلائق والأشياء والذات والموضوع ويوميات الحياة، كما في مجموعته (أسماء وحرقة الأسئلة) المكونة من سبعة عناوين: (فاتحة، خمسة مداخل، وبياض الحجرة)، وتتسم أعماله الفنية بالمحلية المنفتحة على الإنسانية، وفلسفة السؤال الجوهري عن الوجود، لا سيما الوجود العربي وواقعه المر: «أغتسل من لغتي، لغة تتبرأ من ضادها، لغة تتساقط أحرفها، حرفاً، حرفاً، كلمة، كلمة».

ثالثاً: منصّة لكل المذاهب
الفن التشكيلي يتنوع بين التعبيرية والرومانسية والتجريدية والسردية والسوريالية والمفاهيمية، وغيرها من المذاهب والمدارس وتداخلاتها، سواء من خلال الألوان، أو من خلال المنحوتات وموادها الخام، الحجر، النحاس، البازلت، الخشب، الحديد، الخزف، وسواها.
وتبدو منصات الفن التشكيلي متنوعة على صعيد المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة، سواء على صعيد الجمعيات، أو المجموعات، أو المتاحف، وبإمكاننا التوقف عند تجربة بانورامية لكل من محمد سيام، محمد الأعجم، فهد الحجيلان، عبد الله حمّاس، منى القصبي، علي الطخيس، ومن الجيل الشاب ريم السبيعي التي شاركت في متحف المرأة بدبي، ضمن معرض مشترك بمناسبة يوم المرأة الإماراتية.

سيام.. أنشودة إنسانية
محمد سيام (1954/‏‏‏‏‏2011)، من الأعضاء المؤسسين للجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وتعتمد لوحاته على ثقافة بصرية، تمزج بين البيئة المحلية والعربية وتكعيبية بيكاسو لكن بروح الفنان سيام، والملفت أن ثيمته الموضوعية إنسانية كونية، تشرف على صياغات متجددة في دلالات اللون، وجموح العناصر، وارتكازاتها على الحركة حتى في البنية الصامتة.
وإضافة إلى أناشيد اللون، وتدرجات الضوء والظل والفراغ، تتألف بعض لوحات سيام من مكونات كولاجية متداخلة، تتمحور حول ثيمة موضوعية، أو دلالية، وبعضها يرتكز على الرموز المتناغمة، وتشابكها، مما يمنح المتلقي مجالاً للتأويل والاشتراك في سرديات العمل، ومنها لوحات تكمن أسرارها في طبيعة الحركة، واشتباكها مع الخطوط الهندسية، وتماوجها مع اللحظة المنطوقة وهي تتآلف مع مفردات الطبيعة، متحركة نحو الثيمة المركزية، وهذا ما يظهر في عدة لوحات للفنان سيام، ومنها لوحة سباق الخيول.

روحانية التكوين
محمد الأعجم فنان حائز العديد من الجوائز والتكريم ومنها الميدالية الذهبية من معرض الشباب العالمي بفرنسا، وكان ضيف شرف معرض (ألوان من الخليج)، الذي أقيم في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، عام (2011)، ومعرض (تباشير) بدبي في العام (2015)، ويتميز إيقاعه اللوني بحركة المولوية، بينما فراغاته تتميز بروحانية التكوينات، وتشكلاتها السحرية بين التكعيبية والتجريدية والرمزية، وهذا ما تعكسه بشفافية عميقة لوحاته المتمحورة حول المكان والإنسان والطبيعة، متخذاً النور دلالة على مفهوم زهرة اللوتس، ودورانها، إضافة إلى طواف الكون حول النور.

هارمونية تجريدية
عبد الله حمّاس تشكيلي يضيف للمحلية هارمونية تجريدية، تمتزج بالأشكال الهندسية، وأبعاد الخطوط اللونية، ودلالاتها المعتمدة على تشخيص المكونات، وإضافة البُعد الفانتازي إلى البعد المكاني، ليصبح العمل سردياً، كولاجياً، متماوجاً بالأحداث، والذاكرة، والحلم، والانتماء الناتج عن مفاهيم الهوية العربية، والتراث، والأصالة.

محو المباشرة
فهد الحجيلان (1957/‏‏‏‏‏2018)، العضو المؤسس لمجموعة الرياض التشكيلية، الحائز على العديد من الجوائز وشهادات التكريم، تنزح أعماله إلى محو المباشرة، للوصول إلى فلسفة تتأمل الإنسان بحالاته كافة، وتترك اللون رمزاً لتشكيلات اللوحة، وإحالاتها المختلفة على الواقع الحياتي الداخلي للذات البشرية، المتعالق مع الواقع الموضوعي، فلا تصمت اللوحة عن الإشارة، لأنها تتحرك تجريدياً، تاركة للأثر أن يتأرجح بشفافية بين الأبيض والأزرق والأسود والألوان الأخرى، مبتعدة إلى مزيد من الدعوة إلى التفكير والتساؤل حول العناصر الأخرى.

رومانسية البوح والصمت
منى القصبي التي تجمع بين الرومانسية والواقعية، لتنجز أعمالاً هاجسة بألوان التراب وتدرجاته، وألوان الضوء وظلاله، لترسم رؤيتها بالأحمر والأبيض والأسود والبني، جامعة الورود، والمرأة، والأماكن المحلية، ضمن مفردات تتناغم مع كتلة اللوحة، وإيحاءات تشكلاتها المعبرة عن بوح وصمت وحزن وابتهاج.

أيقونة الموروث
ومن النحاتين نذكر الفنان علي الطخيس الذي شارك في نحت دبي (سيمبوزيوم /‏‏‏‏‏ 2013)، في ندوة الثقافة والعلوم، الحائز على عدة جوائز محلية وعربية وعالمية، ومنها الجائزة التقديرية في بينالي الشارقة الأول، ومن ميزات أعماله أنه يحافظ على الموروث المحلي العربي زخرفة، ونقوشاً، وأحرفاً، ومفردات يومية، موظفاً خصائص خاماته كعامل مساعد في التواصل مع المتلقي.
واختتم هذه القراءة البانورامية للمشهد الثقافي السعودي بشهادة للإعلامي د.علي القحيص، مدير جريدة الرياض بدبي.

ثقافة وسطية متزنة
بدأ د. علي القحيص المدير الإقليمي لجريدة الرياض بدبي، كلامه عن المشهد الثقافي السعودي قائلاً: هناك متحركات متنوعة على الصعيد الثقافي في المملكة، وإذا ما بدأنا من مرحلة السبعينيات، فإننا نلاحظ أنها مرحلة ناصعة، عكستْ النهضة العربية المشرقة قومياً، أدبياً، إبداعياً، وأغلب مدرسينا وسفرائنا وكتّابنا وفنانينا هم من خريجي تلك المرحلة، وتابع: بعد التسعينيات، بدأ المشهد بالانقسام إلى ليبرالي منفتح وعروبي، وتقليدي متطرف، ثم، ومع بداية الألفية الثانية، ومع الأحداث الأخيرة، وبعدها، صار المشهد متزناً ووسطياً، لا سيما مع دور الشباب الذين يشكلون (80%) من المجتمع في المملكة، وأصبح الإحساس الوطني، والانتماء العروبي هو الأساس، وليس الانتماء للسفارات الأجنبية، والطائفية، والتخريبية، بغض النظر عن من خان وطنه، وعمل في الخارج، وأساء لسمعة المملكة، ثقافياً وإعلامياً.
وأكد القحيص: علينا أن نعيد تعريف المثقف والإعلامي، ومفاهيم المثقف، لأن المثقف الحقيقي، من المستحيلات، أن يكون معول هدم، أو أداة بيد الأجنبي، لتقسيم وطنه، أو تشويه صورة وطنه، سواء المنتمي للسعودية، أو سورية، أو أي بلد عربي آخر، أو وطن آخر، وأكد: الخائن بلا انتماء.
وأضاف: المثقف يعارض بطريقة حضارية، أخلاقية، ثقافية، من أجل البناء والتطوير والتطور، وهنا، أقول: ما أجمل الديكتاتورية التي تحافظ على الوطن، وأكد: ديكتاتورية وطنية ولا ديمقراطية خائنة، لذلك، الحسم مطلوب، والصراحة مطروقة حتى داخل الأسرة، وقلم وطني جريء ولا مدفع دبابة، وهذا ما يستوعبه الجيل الجديد، المدرك لأولئك المدعين المتلونين، الذين إذا جاءت موجة شيوعية ركبوها، وإذا جاءت موجة إسلامية متطرفة ركبوها، وإذا جاءت موجة أميركية ركبوها، وأكد: المشهد الثقافي يجسده الجيل الوطني الواعي، القومي، والعروبي، وهم كثيرون، ويبدعون في مختلف المجالات الأدبية والفنية والحياتية.

خاتمة ليست أخيرة
من هذه القراءة البانورامية للمشهد الثقافي السعودي، نتبين كيف تحضر الحياة بأبعادها وذاكرتها وأحلامها وهمومها ومعاناتها على صعيد الذات، والمجتمع، والوطن، والأمة العربية، والإنسان، حضوراً يولي كيفية البناء اهتماماً فنياً، ليس فقط على الصعيد الشعري، والسردي، والتشكيلي، وإنما أيضاً، على الصعيد النقدي الذي برزت في مجاله أسماء عديدة، ناقشت عبْر إصداراتها الكتابة بمختلف أجناسها، منزاحة عن النقد التقليدي إلى النقد المعاصر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©