هناك ظواهر بدأت تظهر في وقت الفراغ، وفي المساحات المشاع، وفي الفترات المسكوت عنها، فبرزت ظاهرة أساتذة «فن الحياة»، أو المدرب الروحاني أو «الكوتش»، فلا تدري متى قطعوا الأميال للالتقاء بـ«دلاي لاما»، أو مكثوا شهوراً يتنسكون في جبال «الهمالايا» أو مرتفعات «التبت» أو كرسوا أنفسهم لدراسة التعاليم البوذية أو الكونفوشيوسية، فجأة يظهر لك شاب لم تخضّر لحيته بعد، وتجده يتحدث بحروف تلك الحكم الذهبية، والمقولات الفلسفية العميقة، والتي أخذت من قائليها سنوات طويلة في المجالدة والمكابدة ومعرفة النفس البشرية، فيأتي هذا الشاب الأنيق الفرح بتلك الغترة المكواة بالنشأ، ويلقف تلك الحكم لا يتلقفها، ويظل يؤلف كتباً في فن السعادة، وكتاباً كيف نتخلص من الحزن والقلق لنبدأ الحياة الرغيد، وكتاباً عن عشرين سؤالاً وجواباً في اكتساب الأصدقاء، والابتعاد عن الأعداء، وكتاباً عن فائدة الحناء والياس في صبغ الرأس، وكتاباً كيف تصبح مليونيراً وسعيداً دون الثلاثين، وغير ذلك من «الخريط الوالم»، وأتعجب من هذا الشاب وقد ألف عشرات الكتب، وهو لم يبلغ الأربعين، سن النضج العقلي والروحي، هذا إن بلغ الستين أعتقد أنه «بيسوي في السماء دروب»، إذا الآن وهو يدعي أن كتبه الأكثر مبيعاً، وكتبه الأكثر قراءة على الإنترنت، وكتبه ذات الطبعات المتعددة بأغلفتها الساذجة، ولوحاتها الأقرب للرسوم اليابانية أو وجوه لفتيات مغرر بهن، مثل هذا الشاب سينتقل مباشرة لوسائل التواصل الاجتماعي، وسيظل يسرق من مقولات كتب الغير المختصة بالتدريب الذاتي أو تطوير الذات، ويلصقها على منصته الرقمية أو تغريداته كل صباح، والناس والمتابعون يحسبونها من بنات أفكاره أو شطحات قلمه أو توارد ذهنه، وحين يتوثق ويشتد عوده في الحفظ والقص واللزق، سيتحول إلى المحاضرات والندوات، وإلقاء الدروس الوعظية، وإقامة الورش بعناوين مثل: «في تجميل الحياة السرمدية»، و«خلق النفوس السليمة، ومحاربة العلل النفسية بالوسائل الحكيمة»، و«كيفية إدارة الوقت، وهزيمة الإدارات الهرمة»، «وكيفية سبر المستقبل من ثقب الأوزون»، و«كيفية عمل «الاتش آر» في استبعاد المواطن، وتوظيف المعار»، وسيتطور بشهادات مزخرفة من جمعيات غير خيرية، ومعاهد وهمية، وشهادة ممهورة من الأب الروحي «بركاش»، من هو «بركاش»، لا أحد يدري، ولا أحد له ذلك البال ليسأل، وصاحبنا ومن أمثاله يصبّحون علينا بتلك المقولات البوذية أو يمسون علينا بتلك الحكم المترجمة على عجل، ونحن علينا التعجب والتأمل، وشكرهم على ما تخط يمناهم، وتقدح أفكارهم حتى اختلط علينا الحابل بالنابل فلا عرفنا أي بضاعة تردنا أو أي بضاعة ردت علينا، وصاحبنا.. ما زال في غيّه يعّمَه!