حين دخلت إذاعة أبوظبي في بدايات الثمانينيات متدرباً، ثم معداً ومقدماً لبرنامج أسبوعي، كان «محمد مسعود المزروعي» مديراً لإذاعة أبوظبي، وصوته الأجمل من بين أصوات المذيعين المواطنين، وقارئي نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون القلة في تلك الفترة، وكان معه «علي سالمين، وراشد المهيري، وسعيد الهش، وعلي عبيد، وكعبوس، ومريم أحمد»، كانت إذاعة أبوظبي تضم نخبة ممن جاد الزمن بهم من إذاعة صوت العرب، أمثال، «شعث، وأحمد حمزة، عبدالمنعم سلّام، وعبدالوهاب قتّاية، وزوجته تهاني رمضان، السيد ندا، وعبدالعال هلال كفني صوت، وشمس الدين الضعيفي معد برامج، والمذيع علي يس» كانت الإذاعة في مجدها، وإذاعة أبوظبي في بداية انطلاقتها، حيث كانت مدرسة «محمد مسعود المزروعي» الذي اجتهد وتعلم وكون شخصيته الإعلامية فيها، وتميز بذلك الصوت الإذاعي الهامس الجميل، سواء في نشرات الأخبار، أو البرامج الصباحية، أو في الإلقاء الشعري المحلي أو الفصيح، ومع الوقت أصبحت له نبرة تميزه، فتعرفه أذن المستمع مع أول جملة ينطقها، كانت لغته العربية الفصحى سليمة، ولا تشعر بجرح من العامية فيها، وإن قرأ الشعر النبطي بانت لهجة أهل الدار نقية صافية، لا شية فيها.
كان المرحوم «محمد مسعود المزروعي» على درجة عالية من الخلق والمهنية، الأمر الذي جعله يتسلم إدارة الإذاعة من باب المهنية والاحترافية، وليس من باب الإدارة والمحاسبة، لذا شعر زملاؤه بقيمة العمل معه، وأعطوه من وقتهم، وأكثر من جهدهم، فالعمل الإعلامي الوحيد الذي يتأثر بالحب، والتناغم والتجانس، حيث يظهر ذلك على الملأ، لا يمكنك أن تخبئ ضجرك، وتوترك، وعدم تقييمك، الشيء الوحيد الذي يمكن أن تخبئه عن الجمهور، هو تعبك من العمل.
كان جو إذاعة وتلفزيون أبوظبي في زمنه الذهبي جميلاً، متآلفاً، دافئاً، رغم ذلك النسيج العربي متعدد الثقافات والاتجاهات، لكن كانت تلزمهم روح الاحترافية، بحيث لا أحد يصل للميكروفون، ولا يظهر على الشاشة إلا بعد أن يذوق التعب، ويبلغ به الجهد، وتنضجه التجارب، ويكون مستمعاً ومطيعاً لمدربيه، ويصل لدرجة الإتقان.
«محمد مسعود المزروعي» اعتزل العمل الإعلامي مبكراً، ودخل في عزلته، رغم كل المحاولات من المخلصين، إلا أنه كان بين الإقدام والإحجام حتى جاء وقت، وضجيج، ورجّات وتغيرات في العمل الإعلامي، وبقي الجيل الأول كأيقونات من الإخلاص والتفاني، فآثروا المراقبة، والتحلي والتعفف، حتى شهادات التقدير والجوائز كانت تتطاير يمنة ويسرة، ولا تلتفت لمثل أولئك المخلصين والوطنيين، و«محمد مسعود المزروعي» كان واحداً منهم، من تذكر الفنان «سعيد النعيمي» حتى رحل، والمثقف «سعيد بن غنوم الهاملي»، و«أحمد موسى الهاملي»، و«عايدة حمزة»، و«راشد المهيري»، و«عبدالوهاب الرضوان» و«عبدالرحمن الصالح» و«عيد الفرج»، وغيرهم من أوائل الإعلاميين، هل ننتظر الغياب حتى نتباكى ونبكيهم، ونقفل ذاك الصندوق الأرشيفي الذي يحمل صورهم من زمنهم الجميل.
لك الرحمة والسكينة أيها الجميل «محمد مسعود المزروعي»، ولصوتك الهامس بالحب والوطن، لقد كنت متميزاً، متألقاً منذ أن نطقت: «نحييكم من إذاعة أبوظبي».