كل هذا التدفق، وهذا التألق، وهذا التأنق، يأتي من لدن أولئك الذين تقاسموا اللقمة مع سواهم، وقدموا ما استطاعوا له سبيلاً، أولئك أبناء هذا الوطن، يفصحون عن مكنون أزهى من الذهب، وأنقى من البرد، وأصفى من الماء الفرات.
رجال قدّموا النفس والنفيس لأجل إرواء من شفّهم الظمأ، وإسقاء من نالهم اللظى، وجل هؤلاء موظفون، وعاملون في شركات، ومؤسسات حكومية، تمكنوا من اقتطاف جزء من رواتبهم لأجل أن يساهموا بما يستطيعون، ويكونوا أعضاء في التضامن، والتكاتف، في وطن قامت أركانه على أسس التعاون، مستلهماً مكانته من الإرث القويم الذي تربى عليه أبناؤه.
هكذا نرى الأيدي البيضاء تمتد أشرعة ناصعة، من أجل السفر إلى مرافئ العافية، والرسو عند شطآن الحياة الهانئة، هكذا وجدنا البريق يشع وضاء من تلك العيون العشقة لكل ما هو خير، وكل ما هو سار، وكل ما هو فضيلة تدفع الأذى عن الآخرين، وتمنع الأسى عن كل محتاج، أو معوز.
هكذا شعرنا أننا نطفو على سطح نهر، موجاته مشاعر تتدفق بالإحسان، وطيوره قلوب لها أجنحة الوفاء لهذا الوطن، والانتماء إلى تاريخه، وأرضه وأناسه هكذا لمسنا كل هذا الإيثار، والإبحار إلى محيطات الأمل، والسير قدماً نحو أفكار تتقدم بنا نحو الوعي بأهمية التضامن، وضرورة التكاتف، لأجل ابتسامة ترفرف على شفتي مريض، ولأجل لمعة فرح تتألق في عيني مصاب، ولأجل أن نخرج من هذه اللحظات الزمنية ونحن قد أرسينا قاعدة أخلاقية تضاف إلى قيمنا الرفيعة، ولأجل أن يكبر صغارنا ويقرؤوا في كتب التاريخ، عن رجال من هذا الوطن كانوا ذراعاً قوية، وسنداً، وعضداً، وعطراً فاح بشذا الصدق، والإخلاص، والمودة، والثبات في المواقف الصعبة.
هكذا أحسسنا أننا في وطن، لن تعرقله جائحة، ولن تعيقه جانحة، ولن تعثره عاقبة، إنه وطن إذا اشتكى منه عضو، تداعت له القلوب، ملبية النداء، مستبسلة من أجل رفعته، ونهضته، وعافيته، هكذا شاهدنا كيف الضمير الإماراتي يضاء بأفعال تسبق الأقوال، وسلوك يغسل دموع المحتاجين، كما تفعل الجداول في عروق الأشجار.
هكذا تجلّت لنا شجرة الإمارات العملاقة، وهي ترخي بعناقيدها من أجل قطف جني، ومن أجل حصاد يثري مشاعر الناس أجمعين، ومن أجل مبادئ ترسّخت مثل الجبال الشم.