أيها الأحبة في كل مكان وزمان، ليس علينا أن نقلق من أجل وباء سيعبر بمشيئة الله وحكمة القائمين على حفظ حياتنا من كل شر وضر. وليس علينا أن نقلق من أجل هدف غامض، ونطمح إلى بلوغه في المستقبل، وإنما علينا أن ننجز ما بين يدينا من عمل في الوقت الحاضر فنستجلي حدوده ونرسم أبعاده ثم نركز جهدنا عليه. فالمستقبل كفيل بتدبير أمره بنفسه. إن خير الطرق للنجاح والاستعداد للأيام المقبلة هي أن يركز الإنسان أفكاره ويذكي حماسه في سبيل إنهاء عمل اليوم الحاضر على أكمل وجه. إن التفكير السليم المتزن يفترق عن التفكير الأحمق في نقطة أساسية لا يمكن عدم ملاحظتها، وهي أن التفكير السليم يعالج الأسباب والنتائج، ويؤدي بفضل تلك المعالجة إلى خطة منطقية بناءة عند المفكر. أما التفكير الأحمق، فيتسم بالتوتر وعدم الرؤية، ويفضي إلى الانهيار العصبي، وهو أول درجات الإخفاق والفشل. ورددوا دوماً: أيها النور الإلهي المقدس إليك نضرع أن تأخذ بيدنا وتثبت أقدامنا. فلسنا نطمع في نيل أفق بعيد. إن خطوة واحدة تكفينا. فكلنا يعرف الساعة الرملية التي كان يستعملها الأقدمون. ففيها آلاف من حبات الرمل تنفذ من ثقبها الصغير إلى القارورة السفلى. وحياتنا جميعاً مثل حبات الرمل هذه. إن حبة واحدة هي التي تسقط، ولا يستطيع أحد دفع أكثر من حبة واحدة إذا شاء المحافظة على انتظام عمل الساعة، وهكذا نحن، يفيق الواحد منا في الصباح ليجد كومة من أعمال في انتظاره، فإذا لم ينته منها واحداً بعد الآخر، أي حبة حبة وببطء، فإنه يعرض كيانه الجسماني للخلل. فعلينا أن لا نرهق أنفسنا بالقلق على الغد فإن حباته ستسقط من تلقاء نفسها. فليس اليوم الجديد إلا حياة جديدة لقوم يعقلون.
سعيد ذلك الإنسان الذي يسمي اليوم يومه. والذي يظل ممتلئاً بالثقة في نفسه، فيتحدى الغد قائلاً: أيها الغد، كن كما تشاء، فقد عشت يومي هذا كاملاً. فاستمتعوا بيومكم وتمسكوا بالحياة في يومكم نفسه. واستخلصوا من يومكم أكثر مما تستطيعون. إن من أفجع الحقائق الإنسانية أن بعض الناس يميلون إلى الهروب من الحياة، ومواجهة الصعاب. ويلذ لهم أن يتمتعوا بالبعيد الذي يحلمون به كأنه زهرة في الأفق، أكثر من التذاذهم بشم زهرة قرب نوافذهم. أذكر حكمة قرأتها للفيلسوف الإغريقي هرقليطس: «ليس هناك ما لا يتغير إلا قانون التغير نفسه. فإذا قفزت إلى النهر في لحظة، فإنك لن تستطيع أن تقفز إلى النهر ذاته بعدها، إذ إن تلك اللحظة كافية لأن يتغير النهر، كما أنها تغيرك أنت نفسك»، فلماذا نشوه جمال لحظاتنا بالقلق والخوف؟