تشعر بالرجفة عندما تشعر بأن عيناً ما تتربص بك، وتحفر لك لكي تقع. الآن وفي ظروف الجائحة هناك ما هو مخلب، يشمر عن عدوانية بغيضة، ويتربص بالطفل الصغير كما يتقصى أنفاس الكهل، ما يجعل الخروج من المنزل، كما الوقوع من فوق مبنى شاهق، إنها المجازفة المؤلمة، إنها القفزة من فرق حبال زلقة، إنها ورطة القلب وهو يدفعك لأن تغادر مكانك، وتذهب إلى حيث تنفتح آفاق، وتتسع أحداق، ويلتقي عشاق، وتزدهر الأشواق، ولكن كيف يحدث هذا والفضاء مدلهم بسعار وباء أشبه بالضواري بل وأنكأ وأشرس.
كن حصاة الصبر، بل كن الصبر، وتأزر بدماثة العقول الرزينة، وضع ظهرك على أريكة المخمل، وتوارى خلف جدران، وأشجان، وانتمِ إلى عزلتك، إنها أكثر ضياء من أماكن تبدو في واقعها مثل الصور المقلوبة، مثل احتمالين في آن واحد، الموت أم الحياة، وطالما أنت
في المجهول عليك أن تختار طريقك، وعليك أن تلبس القميص الذي تريد، المهم أن تنجو من القلق، نعم القلق، ففي حقيقة الأمر، فالوباء قد زال أو لنقل ضعف إلى حد ما، ولكن ما بقي عالقاً في قماشة الذاكرة هو الأخطر، هو ذلك الخيال المخيف لشكل المرضى الذين
سجوا على الأسرة البيضاء، هي تلك الصورة المفزعة، لوجوه تغذت، ثم توارت. ولكنك وأنت تتخيل ذلك المشهد، عليك أن تستحضر الوجه الآخر، وجه وطنك الذي واجه الموت بالحياة، وقارع المرض بالشفاء، واستطاع أن يقف بجسارة في مقابل الألم، وأن ينجز مشروعه
الحضاري بوعي من سهروا، وضحوا، وتفانوا من أجل أن تبقى راية الوطن بيضاء ناصعة من غير سوء. هكذا أنت الآن، تجلس في مكانك، وتتهجى حروف الجائحة، وتتأمل المشهد برؤية العاشق الذي استهواه وجه الحبيبة، فأعطى وجهه للسماء شاكراً، حامداً بأن منّ الله عليه بوطن مهما اكفهرت دروب العالم، يبقى هذا الوطن يسير بمصابيح الحب زاهياً مزدهراً، زاهراً، مبهراً، مثمراً، تدفع عربته امرأة مطمئنة، ورجل جسور، والاثنان باتجاه الغد المشرق، يحتفلان بالحياة، ويدعان ماضي الجائحة في مكبات التاريخ، ولا ينسيان أنهما
من سلالة صحراوية، تظلل أرضها غافة الجمائل، وتعطر سماءها وردة برية، انبثقت عن لقاء النخلة بساعد أسمر.
أنت هنا في هذا المحيط الملون بوجوه هي كالنجوم، وعيون بأحداق النوارس، ولهجة تمر عبر الشفاه كأنها الجدول، كأنها المنهل، كأنها الفراشات على نحور الزهر، وأنت هنا، أنت في صميم الوجود إنسان إماراتي، حباك الله بالوطن الأوسع أفقاً، الأعظم انتماء للإنسانية.