تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مقطعاً مصوراً يُظهر طريقة حضارية راقية ودّع بها موظفو إحدى الشركات النفطية الكبرى في المملكة العربية السعودية الشقيقة مديرهم في آخر يوم عملٍ له، حيث اصطفوا في طابور عن يمينه وشماله من مدخل الشركة وحتى موقف سيارته وهم يصفقون له وفاءً وامتناناً وتقديراً لفترة عمله معهم، والأهم من ذلك طريقة تعاملهم معه، والأثر الطيّب الذي تركه في نفوسهم والذي جعلهم يختارون هذه الطريقة للتعبير عن اعتزازهم به، من دون أمر أو «تعميم إداري».
قوة الأثر الطيب وتأثيره لا حدود لها في نفوس البشر، وبالذات من المسؤول على العاملين معه، وعلى سائر الناس المحيطين بالمرء.
سرعة انتشار المقطع والحرص على تداوله في مواقع التواصل و«جروبات الواتسآب»، يعبران إلى جانب الإعجاب بالتصرف، عن مقدار حاجتنا لسد فجوة موجودة في طريقة تعامل بعض مؤسساتنا مع الموظف سواء الجديد أو المنتهية فترة عمله، بمعنى غياب ثقافة «الترحيب والتوديع» عند موظفي إدارات وأقسام الموارد البشرية في دوائرنا. وتظهر بصورة صارخة عند تعيين كبار المسؤولين في تلك الجهات أو انتهاء فترة عملهم، تجد الموظف أو المسؤول الجديد يظهر فجأة كما لو هبط بمظلة ويستدعي على عجل رؤساء الأقسام لعقد اجتماع طارئ ليبلغهم بنفسه أنه أصبح مسؤولاً عنهم، ويبدأ في تعريفهم ليس بخطة عمله واستراتيجيته للأداء، ولكن بما يعجبه وما لا يعجبه في رسالة مباشرة بأن عليهم إرضاءه أولاً!
أما المسؤول «السابق»، فيختفي فجأة من المشهد، ويُمحى ذكره أو ذكر سيرته حتى لا يُصنّف بقية الموظفين بأنهم محسوبون عليه، بل تجد صوراً مؤلمة للتعامل مع الموظف المحال للتقاعد أو «المفنش» بإبطال حتى صلاحية بطاقة الدخول لمرفق أمضى فيه عمراً.
لا أحد يطلب من أساطين «الموارد البشرية» إقامة تماثيل لتخليد من خدموا، فلا شيء خالد للإنسان سوى عمله وما قدم والأثر الطيب الذي تركه بين الناس، ولكن المطلوب نشر ثقافة الترحيب والتوديع بما تحمل من احترام وتقدير ووفاء للجميع، وليأخذوا الدرس من قادتنا، حفظهم الله، وحرصهم على تقدير وتكريم كل من خدم بإخلاصٍ وحرص على إسعاد المتعاملين. ولكن يبدو أن قوة المنصب في تلك الإدارات أنست أصحابها أنه زائل ودورهم في الرحيل آتٍ آجلاً أم عاجلاً، فتلك سنة التطور والحياة وحتى «لائحة الموارد البشرية».