طالما تساءلت عن كنه ذلك القمر الساكن ليالينا، والذي يتغزل به كل الشعراء والفنانين في العالم، ويلصقونه بجماليات تخص عشيقاتهم، لمَ كان القمر وحده دون غيره من تلك الظواهر الطبيعية التي تصاحب الإنسان معها، وظلت رفيقة له في كل مناسبات فرحه، حظوظ القمر وهو أصغر، أكثر من حظوظ الشمس وهي أكبر، ربما لأن القمر منير، وبارد، والشمس حارة وحارقة، لكن هذا التغزل الدائم بالشمس لا يظهر في الدول الاسكندنافية الباردة التي تقدس الشمس إن ظهرت، بقي القمر هو الأثير عند كل الشعوب، وهو مبعث أشعارهم وأغانيهم، ترى ما سر علاقة ذاك القمر الذي كان الإنسان يتغزل فيه قبل أن تطأ قدماه سطحه، ويستعير منه أوصافاً جمالية ليلصقها بحبيبته، كان القمر نوراً للإنسان في سواد الظلمة وشاهداً على مسيره الليلي، هل نرى وجهاً واحداً للقمر، وهو المنير، والوجه الآخر معتم بعيد؟ ما سر ظاهرة المد والجزر، وارتباطها بالقمر، وبخرافة الجنس والإخصاب والهوس الجنسي، وجنس الوليد، ودورة المرأة التي تبدأ مع ظهور قمر جديد، والإباضة أثناء اكتمال القمر؟ هل هي تفسيرات أسطورية، لا علمية؟ أم لها تبريرات علمية دقيقة غير مكتشفة، لذا عدّت ظاهرة المد والجزر هي عملية لها صفة الجنس بين مد وجزر وسقي وثبر وارتفاع وهبوط، والبعض الآخر عد القمر حواء، والأرض هو آدم، والمرأة هي الحامية والحارسة لتلك الأرض، لأن القمر هو درع الأرض عن النيازك، يعد القمر أداة تقويم حسابي عند اليهود والعرب، وعند البوذيين مصدراً للتأمل، وسر الكون العميق، والروح الدفينة.
اليوم بلا قمر مدته ست ساعات، وحين يكون القمر 12 ساعة حاضراً، و12 ساعة غائباً يوصف باتحاد النصفين آدم وحواء، القمر والمد والجزر، هو تلاعب بالماء، فلم لا يتلاعب القمر بالإنسان الذي جسده يتكون من 75 % من المياه؟
هناك تأثير للقمر ودورانه ودوراته على الإنسان، وعلى حالته النفسية، والبعض يربطه بحظوظه، وطالع بروجه الفلكية، وحين اكتمال القمر، كانت تبرز ظاهرة المستذئبين، ونوبات الصرع، وتعد ظاهرة صيام الأيام الثلاثة البيض كل شهر في الإسلام، للتخفيف من حدة شرور النفس، وهي الأيام الثلاثة لاكتمال القمر 13-14-15 وعلى الإنسان الذي لا يستطيع الصيام، عليه التقليل من شرب الماء، وفي القانون الإنجليزي قبل 200 سنة، كان يفرّق بين جُرم المجانين العاديين، وبين جُرم مجانين التأثير القمري، وفي القرن الثامن عشر، كان يضرب المرضى في اليوم السابق لاكتمال القمر، تجنباً لعنفهم الزائد، وقيامهم بأعمال تدميرية كالحريق والاعتداء، هناك فرق في الطاقة الكهربائية الكامنة بين رأس الإنسان وصدره، وأعظم هذا الفرق يكون عند اكتمال القمر، وهناك تأثير للقمر على الغدة الصنوبرية، واختلال التوازن العقلي للإنسان، وكثير من الأطباء كانوا لا يجرون عمليات لمرضاهم في الأيام المقمرة خوف النزيف، تلك أسئلة فرضها القمر الذي نحبه كثيراً، ولا نسأل عن كنهه ومكنوناته وأسراره الدفينة.