لنهر الحياة رافدان، وللبوح وجهان، وما الإعلام إلا الصوت الصيت، واللحن الذي من خلاله تستمر قصيدة الوطن في تلوين أبجديتها، بمحسنات بديعية تنسجم مع بريقها الاقتصادي، وشعاعها السياسي، ورونقها الاجتماعي، وبراعتها الثقافية.
فالإعلام هو الوعاء الذهبي الذي يطوق عنق الحقيقة الوطنية، ويهبها جمالها، وثراءها، وأصالتها وجذرها، وفرعها، وأوراقها وأزهارها، كل ذلك يأتي تباعاً عندما يكون الإعلام المسافة ما بين الرمش والرمش بالنسبة لحملة القلم، والذين أُنيطت بهم مسؤولية رفع مشاعل الوعي. وإضاءة الشموع عند كل منجز حضاري تنجبه البلد، وعند كل وثبة سباقة تقدمها البلد وعند كل قفزة باتجاه الغيمة، كل ذلك يحدث عندما يكون الوعي أسبق من الخطوات، عندما تكون الخطوات عند مرأى الإدراك لكل ما يتم إنجازه، وكل ما تتوق إليه العقول المخلصة لأجل أن يظل الوهم هامة بقامة الجبال الشم، ويكون الوطن مساحة بسعة المحيط، ولم تنجح الأفكار في أي منجز في أي بلد، إلا ووراءها الصحائف والكتب التي تعزز المكانة، وتدعم النغمات، وتدفع بالقارب نحو عمق البحر، وتذهب بالموال نحو دوزنات تهيب بالمعنى، وتلون المشاعر بالفرح، والتفاؤل، والآمال العريضة.
فما من قوة تستطيع أن تزرع الإحباط في النفوس، ما دام هناك إعلام قوي وفاعل، ومدرك لمهمته، وملتزم بواجباته الوطنية، وما من رياح يمكنها زحزحة سفينة العطاء عن مكانها، أو جرفها لاتجاهات أخرى، طالما وقف الإعلام كأنه النخلة الوارفة بعناقيد الابتكار، ورطب الإبداع، ولا يمكن للأحلام أن تترعرع بأجنحة النمو، والازدهار، إلا بوجود قائمة من الأسس الإعلامية التي تقود المرحلة، وتضع تيجان الفوز، وأكاليل النجاح على رؤوس الذين يبذلون ولا يحجمون، والذين يسفرون ولا ينطفئون، والذين يعملون ولا يملكون، والذين يشقون العباب ولا يتوقفون، والذين يزرعون الفرح ويملؤون العيون بريقاً، والذين ينهلون من صلابة الإرادة ولا يترددون، والذين يضعون الوطن في الجوارح كأنها الدماء، والذين لا يأس لديهم ولا بؤس ولا رجس، إنهم القامات الرفيعة التي تزهر، وتثمر، في حياة ربيعية مستديمة، هنا يقوم الإعلام بدوره الريادي للمساندة، والتعاضد، وتكريس واقع العمل الوطني والإبداع المستمر، وتجديد مهارات العقل، بالتخلص من الالتفات كثيراً للوراء.