من عادة تلك البنت ذات السبعة أعوام «الحور» التي تحترم المائدة كثيراً، وبطبيعتها تدرك «أتيكيت» الأكل منذ صغرها، وتقول أكلها من أكل «نعيم»، ما تنثر العيش أو فتات الخبز في مكانها، بعكس توأمها «منصور» الذي يُشَعّي في كل مكان، وتقول ماكلين معه ثلاثة أشخاص، لاحظنا أن «الحور» في فمها ماء، فقالت، وهي قليلة الكلام على الطعام، لكنها كثيرته إن كنّا نيام: «Why Google knows everything»، فضحكنا، لكن بعد الانتباهة فطنا لعمق السؤال الكبير في عقلها الصغير، زمان على أيامنا كان يُقَال لنا أن خالك عارف، فتنشد منه المعرفة، وتتخذه قدوة أو أن فلاناً باصر، فلتزمه طلباً للعلم، وتتخذه قدوة، لكن في يومنا ليس هناك أعرف من عمنا «غوغل»، وليس هناك قدوة في المعرفة والإلمام مثله، لذا لا عجب أن اتخذه، هو وأمثاله الجيل الجديد مثالهم المعرفي، وقدوتهم في سرعة البديهة والإجابة والشمولية الثقافية.
الغريب أن الإنسان قطع سنين طويلة حتى توصل لمثل تلك المنصة التي تحتوي على المعارف وأنواع الثقافات والمعلومات العزيزة المتوفرة، وكنت أرغب أن أكتب عن أحد أكثر الناس تأثيراً في شبكة الإنترنت، حتى إن مجلة «التايمز» اختارته على غلافها تقديراً واحتراماً له، ولعمله الإنساني، من خلال دخوله 3 ملايين مرة للتصحيح والتحرير في «ويكيبيديا»، وكتابته 35 ألف مقال فيها، بدأها قبل 16 عاماً حينما كان في الجامعة، ووجد تلك الموسوعة هزيلة، وخالية ومهملة، فكتب مقالاً عن جده المحارب في الثورة الأمريكية، وتابع بعد ذلك، مخصصاً ثلاث ساعات يومية لها، ومخلصاً تجاهها، ولا يتقاضى أي مبلغ نظير أعماله خلال تلك السنين، لأنه ببساطة إنسان نبيل، وراق، وبسيط، ولا يسعى لمال بقدر ما يسعى أن يجد كل وأي إنسان على هذه الأرض معلومة جاهزة ومجانية، فكان من المؤجلات، لكنه يحضر اليوم بإنسانيته المفرطة، بعيداً عن الشهرة والمال وتسجيل أسهم له في الشركة، وفي البورصات العالمية، وكل ذاك الضجيج، «ستيفن» حين تراه لا تفرقه عن أي شاب أمريكي مجتهد، ويحب القراءة، وملازماً حاسوبه، ويظل على كرسيه منذ الصباح يبحث في تلك الشبكة العنكبوتية، وهو يتناول قهوته في الـ «ماغ» الكبير مع قطع «دوناتز»، ويخطف على كيسين «تشبيس» مملح قبيل الظهيرة، ثم يتناول غداه متأخراً «بيتزا» بحجم عائلي مع علبة «كولا»، ويظل يسمن في مكانه، قد لا تكون تلك الصورة النمطية هي الملائمة لشخص جميل وإنساني مثله، عكف كل حياته يحرر ويصحح ويساهم في تحرير مكتبة عالمية ومجانية للمتعطشين للمعرفة، واللاهثين وراء الجاهز والمعد مسبقاً، والراكضين خلف ساعات يومهم التي لا تكفيهم، مكتبة تصل إلى الفقراء والقرويين وسكان الجبال في قارات العالم، «ستيفن» له وظيفته، وله عائلته، ويعيش في مدينة «فيرجينيا»، لكنه من ذلك القبو الصغير في منزله قدر أن يثقف العالم، ويثبت لغيره معنى جمال الإنسانية!