من المتعارف عليه حين تأسيس شركة لخدمة الناس أو التعاقد مع شركة إن بغينا الخصخصة، وبغينا أن نساعد في تقديم أفضل الخدمات للجمهور، وقبل أن تبدأ عملها هذه الجهة سواء أكانت حكومية أو شراكة مع القطاع الخاص أو حتى خاصة تحت غطاء رسمي، يجب أن تضع لها قواعد، وأسساً للتعامل الحضاري مع الناس، وتدريب موظفيها أن يحافظوا على اسمها من خلال التصرفات اللائقة، والتهذيب الأخلاقي، وتقدير الموقف في الأوقات التي تحتاج إلى ارتجال، وحسن التصرف بحكمة، لكن مما نرى ونسمع من الناس المتعاملين مع كثير من هذه الشركات الحديثة التكوين، والتي حلت محل الشركات القديمة بغية تحفيز الإنتاج، والدخول في العصر الرقمي، والخدمات الذكية، أنها لامعة من الخارج، خاوية من الداخل، وتدار عادة بعقلية شبابية صغيرة، لا تقدّر المسؤوليات، ولا تعرف المقامات، وخصوصية أهل الدار والمجتمع، شركات من شركات النقل مثلاً، تظل سيدة فاضلة تتصل بها منذ فترة قبل موعد نقل أمها الكبيرة والتي تتحرك من خلال كرسي مدولب، لكي يرسلوا سيارة بمواصفات خاصة وسائق يعرف المكان ويصل في وقته، لكن الطرف الثاني في الشركة يطلب منها معاودة الاتصال حيث كل الموظفين الآن مشغولون في خدمة زبائن آخرين، وتظل تتصل بعد مرور كل ساعة، حتى تضبط معها الأمور بعد الاتصال الثالث، وتتفق الشركة مع السيدة الفاضلة قبل أن ترسل سائقها على السعر، ومدة الانتظار، وطريقة الدفع، وعدم الإخلال بنظافة السيارة، وأن الشركة غير مسؤولة عن أي تعويض تأميني يخص الأم أو البنت في حال حدوث حادث لا سمح الله، تفاصيل تعتقد أن من يطلبها لا بد وأن يكون على درجة عالية من الاحتراف، والبذخ في الخدمات، وأن للشركة خبرة طويلة في ميدان العمل التجاري، تصل السيارة «ميني فان» تصلح لتركيب الكرسي المتحرك، وربطه بالأحزمة المتخصصة، وتركب السيدة الفاضلة مع أمها الكبيرة، ترافقهما ممرضة خاصة، وشغالتها، وتنطلق السيارة من بيتها لمسافة اثني عشر كيلو متراً، بغية إدراك موعد المستشفى في وقته، ويحدث ذلك الاتصال بين السائق ومراقب حركة السيارة، وحين سمع أن السائق يحمل في سيارة «الميني فان» أربعة أشخاص، زمجر ذلك الموظف من مقعده غير المريح، طالباً منه أن ينزل واحدة من الراكبات لأنه غير مسموح في زمن الكورونا بأكثر من ثلاثة ركاب في السيارة الواحدة، وأنه لن يتحمل أي غرامة من أجل ذلك، وعلى السائق الذي يأخذ راتباً لا يتعدى ألفاً ومائتين أن يدفع غرامة خمسة آلاف درهم، فأسقط في يد ذلك السائق البسيط، وظل يترجى السيدة أن تنزل شغالتها أو الممرضة في وسط الطريق أو في أي محطة بترول قريبة أو سيرجعهم جميعاً إلى المنزل ثانية، حسب التعليمات، لحين طلب سيارة أكبر أو سيارتين، فاعتقدت السيدة الفاضلة أنه يمزح أو أن شركته لا تقدر الموقف، فقالت دون انفعال أولاً: «نحن في الثلث الأخير من الطريق إلى المستشفى، فلو رجعنا إلى المنزل، سنضيع الوقت والمال، ونتعب الوالدة في ذلك المشوار المجاني، ولا يمكن التخلي عن الممرضة الخاصة، لأنها تساعد والدتها في كل شيء، ولا حتى الشغالة لوحدها في الشارع أو محطة البترول، ثم السيارة كبيرة، وماخذين كل الاحتياطات الاحترازية الواجبة، والأهم لمَ لم تقل الشركة هذا الكلام قبل أن ننطلق من البيت»؟ لم يكن هناك حلّ في نظر تلك الشركة التي تهتم بكل التفاصيل، ولا تعرف التصرف من خلال موظفها، والسائق الذي أجبرهم لأن لديه أوامر أن يعود بهم للخلف، ولو اضطر أن يرجع «ريوس» بالسيارة، أو ينزلون في الشارع ويدفعون الأجرة عن المسافة المقطوعة بالسيارة، لأنه على حد قوله: «أنه سائق مسكين، وأن الأرباب يمكن يسوي فنش»!
عادت تلك السيارة «الميني فان» براكباتها الأربع، الآخذات التلقيح، والواضعات الكمامات، القهقرى، وضاع موعد المستشفى، وتعبت الوالدة من الطلوع والتنزيل وخض السيارة، وتلك المشاحنات التي بلا داع، وصراخ السائق، وخربطة وقت وبرامج الناس، مع دفع الأجرة رغم كل هذه العطلة!