«ما يقوله الناس عنك: ظن، وما تعرفه عن نفسك: يقين، فانتبه أن تقدم ظنهم فيك على يقينك».
هكذا على الإمارات أن تتعاطى مع صغائر الأمور المتوقعة من صغار الناس، فلا تعيرها ولا تعيرهم مثقال ذرة من اهتمام أو حتى التفاتة، لأنها أكبر منهم، وأعلى من صغائرهم، مثل هؤلاء المتواجدون على سطح الحياة، والمقتاتون على طحالبها يتكاثرون دون تناسل في وقت أي قفزة للإمارات إلى الأمام، وعند تحقيق الإمارات أو أحد أبنائها منجزاً حضارياً، تجدهم سعوا على بطونهم مثل دودة «شحمة الأرض» تريد التقليل من الشأن، وتريد تهميش المنجز، وتريد أن تجد لمعاول هدمها أي مكان في جدار البيت الإماراتي، لعلها تقدر، رغم يقينها أن أوقات الغفلة، وأوقات الطيبة الزائدة ولت إلى غير رجعة، اليوم هناك مؤسسات يقظة، وهناك الواعون والمدركون من أبناء الإمارات الذين لا تنطلي عليهم حيل الدين والاستقامة الجوفاء، والحريات المدنية التي ينادون بها، ولا يعرفونها، وأسأل زوجاتهم عنهم، وتساءل عن وضع أبنائهم في جامعات الخارج ومدنها، وفتش عن حساباتهم البنكية وفِي أية مصارف مودعة هي؟ لقد عشنا عصرهم المهترئ، وتعايشنا مع سطوتهم التي تمكنوا من خلالها وبها من التخويف والتخوين والتصنيف، فكل مثقف شيوعي كافر، وكل وطني واع علماني ملحد، وكل مفكر اجتماعي زنديق خارجاً عن المِلّة، وهم بقولهم وفعلهم ليسوا لا من الأنصار، ولا من المهاجرة، هم من منافقي يثرب، منهم من كان يجمع فوائد البنوك ضاحكاً على «شوابنا» الطيبين، مقنعاً إياهم بحديث منحول، وآية لا تخصهم، وتخص الاستغلال والربا في عصره الجاهلي، فيجمع ملايينهم التي يسلمونها إياه، بغية إنفاقها في الحلال كما يقول، لعل وعسى الله أن يكتبها في ميزان حسناتهم، مع دعاء كاذب منه، وتفتفة من أجل مباركة أموال البنوك «الربوية»، ومنهم من احتل موقعاً إعلامياً مؤثراً، وكاد أن يسيطر على المدينة بفتاويه الأسبوعية التي فيها التوجيه الحزبي، والأيدلوجية السياسية الدينية، مع بث نسائه المتشحات بالسواد للتغلغل من خلال نسيج المجتمع الحريري، ومنهم من اختار مدارس بعينها فيها النخبة المواطنة من أهل الدار، واشتغلوا وتعبوا عليهم، وصبروا من أجل أهدافهم التنظيمية، ظاهر عملهم كان التعليم، وباطنه كان الإرشاد والتوجيه، وبناء كوادر المستقبل، لأن هؤلاء المواطنين هم الأساس، أما هم الأجانب فغير باقين، وعليهم التحرك دوماً إلى الأمام وفِي الجهات الأربع لكي لا يكتشف أمرهم، ويفضح فعلهم، كانت غايتهم وضع خلايا صغيرة ستتكاثر بنفسها، دون تناسل، فكان منهم في وقت من الأوقات وزراء ووكلاء ومستشارون وموجهون وإعلاميون وصحفيون، و«أناس طيبون» كما كان يسميهم الكثير من الأهالي الطيبين.
تلك كائنات تتكاثر، دون أن تتناسل، وهم يظهرون في وقت الفرح ليسرقوه، وفي وقت الانتشاء بالمنجز ليسلبوه، وفي زمن النجاح ليفشلوه، كان أهلنا الأولون يقولون في معرض حديثهم عن الأشياء الصغيرة الضارة، والتي لا تعطى أهمية أكبر من صغرها، ولا أعظم من شرها، كانوا يقولون عن الشيء الذي لا صفة له، ولا اعتراف بوجوده: «وشحمة الأرض»!