ما أكثر الدروب التي مرّت بنا، كلها غابت في النسيان القليل جداً أو الخاص من الدروب التي تسكن الذاكرة، والقليل منها كانت له حكاية تعن عليك، كلما جال في الخاطر شيء من الجمال أو الألم، أو ربما حكاية يمكن أن تروى.
كم قطعنا من الدروب وركضنا خلف السراب أو اللعب أو حتى أمنية كانت تشغلنا يوماً ثم ذابت واختفت، وكم من الدروب كانت مصابيح لنا ومثالاً للاجتهاد والمثابرة.
منذ نعومة أظفار الإنسان وهو يقطع الدروب جرياً أو سيراً لطيفاً، حباً لتلك الدروب أو خوفاً من الكثير من الأمور قد تكون خاصة به أو بالآخرين!
نبدأ بالسير في دروب الحارة منطلقين فرحين باللعب مع الصغار ومكتشفين كل الأزقة والحواري والمسالك الضيقة أو الواسعة، علمتنا الدروب أننا بالحركة والتمرد على القاعد والجامد فيما نطرحه، يمكن أن نحقق ذاتنا وفرحنا وأيضاً لعبنا ونحن أطفال، من الدروب الصغيرة نتعلّم أننا على أهبة الاستعداد أن نعرف الطريق القادم، طريق الأحلام الكبيرة، الخاصة والعامة.
خطواتنا الأولى في الدروب المتعرجة، هي مفتاح الطريق والحلم الكبير، قد يتحقق حسب الأمنيات أو يأخذنا إلى أماكن ومطارح ومناطق أخرى غير تلك التي حلمنا بها، ونحن في بداية الجري في الدروب المتعرِّجة، كم واحد أخذته الدروب إلى طريق صعب أو إلى طريق الأحلام الجميلة التي رسمها يوماً.
حتى في طريق الحب والعشق، كم خطوات تحطِّمت لبعضهم وسقطت الأحلام الوردية، وكانت المحطّة الخيرة غير تلك الأمنية، وكم سقط الطريق بنا من دون تحقيق الأحلام الكبيرة والأهداف والغايات التي نتمناها أو نرجوها لأفكارنا وتخيلاتنا في المجالات الفكرية والوطنية، كم انتكس كثيرون وسقطت أحلامهم الوطنية، وربما تراجعوا ليصبحوا اليوم ضد ذلك الذي بدأ الطريق بفكر مختلف ثم عاد إلى الدروب والطرقات والأزقة القديمة وربما السكك القديمة.
كلنا تسكننا أو بعضنا من الذي تسعفه الذاكرة، بعض الدروب القصيرة أو الطويلة، يتذكر أحداث تلك المسارات وكأنها أمامه، لأنها تحمل أجمل الذكريات، سواء كانت متعبة أو لطيفة أو مفرحة، لأن بها حماسة البدء ومغامرات كانت مهمة لنا، إن صنعناها بإرادتنا أو بحكم الظروف وحكم الوقت والزمن، نتذكر الدروب والطرق الصعبة، وأيضاً الدروب والطرق التي عشقناها يوماً وسعينا إليها بحب وود.
كثيرة هي الدروب والطرق التي قطعناها ومررنا بها منذ الطفولة إلى الآن، والكثير منها غاب واختفى من الذاكرة، ولكن بعضها لا يمكن أن يغيب عن البال والخاطر، ولا يمكن أن تسقط من الذاكرة أو من العقل والقلب، الطريق والدروب التي أحببتها وعشقتها أو حتى التي تركت جرحاً أو ألماً في قلبك وفكرك، لا يمكن أن تغيب أبداً، إنها نواقيس تظل تطرق على كل مشاعرك، قلبك وفؤادك ما دمت حياً.
كلنا لدينا بعض الدروب والطرق والمسارات الجميلة، نستطيع أن نتذكر كل مسافة وحرف أو همس أو حتى خطوة قدم، الأجمل أن نتذكر الدروب الجميلة والطرق المفرحة حتى وإن كانت في صعود الجبال أو قطع مسافات طويلة في الصحراء والرمال نستدعي الأجمل والأعذب والألطف، تذَّكر المدن البعيدة ورحلاتك اللطيفة ومساراتك في الحقول والبساتين والأنهر، فقد تكون أجمل في هذه الأيام.