في خريفٍ بعيد تساقطت أوراق الأشجار في نيويورك، وسار بنا القطار حتى توقف في محطة سنترال بارك، فنزلت ورفيقتي في «ضولة» الناس حتى خرجنا من نفق المواصلات، فإذا بالفندق الذي نقصده يستقبلنا بعد خطواتٍ قليلة. 
رن الهاتف وجاء صوت حصة تسأل: «هاه وينكم؟ أختي مريم تترياكم»، صعدنا إلى طابقٍ لا أذكر رقمه، وانفرج باب الجناح الذي قصدناه، حتى تجلت لناظرينا سيدة ينتهي عند قدميها الجمال، رحبت بنا بيدٍ واحتضنتنا بالأخرى وقالت: «مرحباً الغالية.. مرحباً عاشة شحالك وشحال هلك؟»، وكان ردي بما يجب، وما إن جلسنا حتى انهالت علينا الحلوى والمكسرات والقهوة وغيرها ممّا لذا وطاب. 
نظرت إليَّ أم سلطان وقالت: «ها نحن كالطيور في أقفاص هذا الفندق..انسير بالله عليكم نشرب شاي العصر في مكان». وعندما وصلنا طلبت مني الجلوس إلى جانبها، وكأنها في منزلها وتقرب بي في صدر المجلس. قالت: «تعالي بنسولف عن زمان لول؟» فكانت بداية معرفة ومحبة، الله وحده يعلم بعمقها في فؤادي. 
ومن هذه البداية كثرت الحوارات والسوالف والضحك ومناسبات الحياة التي يمر بها المرء، حتى كسرت أم سلطان جميع الحواجز ذات مرة فقالت:«عاشة، كنت في مقتبل العمر عندما غاب بوسلطان.. هل تتوقعين المسؤوليات التي كان عليَّ مواجهتها؟ وكيف تعاملت معها؟»، وسردت لي من تفاصيل تلك التحديات ما جعلها إيقونة المرأة الإماراتية في نظري.
وعلى مر السنين أيقنت أن الله وهب أم سلطان ما لم يهبه لكثيرٍ من البشر، فلحضورها «كاريزما» تجذبك لجمالٍ في روحها ورقة في تعاملها وسمو أخلاقها، وطاقتها الإيجابية التي تنشر المودة في المكان وحيثما سارت خطاها أو سُـمِع صوتها أو عُـلِمَ بوجودها. نعم، كانت فريدة لا يشبهها أحد على الأرض سوى نفسها وذاتها.
للعارفين أقول: من جنة الإمارات رحلت أم سلطان إلى جنة الخلد، إن شاء الله، وندعو الله أن يجملها بجماله الذي رأيناه فيها، وأن يهبها مقاماً عالياً يليق بأعمالها ونواياها وما أكرمت به البعيد والقريب. هذه ابنة الإمارات التي أعطت ولم تتوقع رداً للعطاء، لقد رحلت «سلطانة القلوب» عن عالمنا، تاركةً ذاكرة وذكريات عاهدت نفسي على أن أجعلها شافعاً ودافعاً للحفاظ على الموروث ولولائنا لمبادئ السمو والكرم وأخلاقيات عيال زايد في دولة المحبة، الإمارات.