رشحت المناقشات الفنية التي أنجزت في مختبرات الاتحاد الإماراتي لكرة القدم، وكان المراد منها الوصول إلى الوصفة الأمثل، لتكوين أكاديمي متطابق يكون جوهر المنظومة التكوينية التي سيجري العمل بها في المرحلة الحالية، بتعميمها على المنتخبات السنية، ومراكز وأكاديميات الأندية، رشحت هذه المناقشات، المدرسة الإسبانية والكتالونية تحديداً، لتكون هي المنتج للوصفة الفنية المبحوث عنها منذ زمن بعيد.
بالطبع تعاملت الكرة الإماراتية لعقود خلت مع مدارس أوروبية وأميركية لاتينية، للحصول على النواة الصلبة التي عليها تأسست منظومة التكوين، المفترض فيها أن تكون متطابقة مع الخصوصيات الفكرية والاجتماعية والبيئية للشباب الإماراتي، ومع طبيعة الإبداع والابتكار الفني عندهم.
بعض هذه المنظومات نجح نسبياً، وبعضها الآخر فشل، وأكثر ما فشلت فيه هذه المنظومات، أنها لم تحظَ بالمتابعة والتقييم، ولم تنلْ حقها من التحيين والتطوير، بل إنها ذهبت ضحية ربطها التعسفي بنتائج مباريات وفشل المنتخبات السنية في هذه البطولة أو تلك.
وعندما نتحدث عن منظومة تكوين مستوحاة من التجربة الكتالونية، فإن ذلك يحيلنا رأساً على «لامسيا» برشلونة، على واحدة من أرقى وأرفع أكاديميات التكوين في العالم، عن المختبر الذي منه خرجت فلسفة الـ «تيكي تاكا» التي منحت برشلونة ريادة إسبانية وقارية، بل وقادت منتخب «لاروخا» إلى أن يحرز الكأس العالمية الأولى في تاريخه، أكاديمية تخرج فيها عشرات النجوم، ومنهم بالطبع الأسطورة ليونيل ميسي والعبقريان تشافي وإنييستا.
ومن يتعمق في قراءة كنه الفلسفة التي خرجت من معبد برشلونة، لتضيء ما حولها بنور العبقرية والإبداع الكروي، سيتوصل بكل تأكيد إلى الخيوط السحرية التي أمسك بها فلاسفة برشلونة، وعلى رأسهم كبيرهم الراحل يوهان كرويف، ليقدموا لنا منظومة يتكامل، بل يتناغم فيها الفني الجنيني مع التكتيكي والبدني، ومع الذهني والنفسي، حيث لا يترك أي شيء للمصادفة، وكأننا أمام نسق خارق للعادة يشتغل فيه كل شيء بدقة متناهية.
وكثيرة هي الدول التي استوردت هذه الفلسفة الناجحة، وحولتها إلى منظومة تكوينية متناسقة، طبعاً بعد أن أخضعتها للتنقيح، لكي تتطابق مع هوية البلد، ولكي لا تكون نسخة مستنسخة أو مشوهة.
وعندما يأتي إطاران فنيان ممن اشتغلوا في المختبر السري لبرشلونة لقيادة المنتخب «الأولمبي» و«الأبيض» الشاب، فإن ذلك لا يعني أن اتحاد الكرة سيجلب إليه الـ «تيكي تاكا» التي خارت قواها وتفككت أوصالها، ولكنه سيجلب بالأساس الخبرة والمهارة وصناعة النجاح والتنزيل العقلاني والاحترافي لمنظومة التكوين، لتهم قاعدة الهرم قبل قمته، فإن أفلت شمس الـ «تيكي تاكا»، فإن الأساسات التي يقوم عليها تكوين لاعبي المستوى العالي لا تتغير، والكرة الإماراتية بحاجة إلى من يحقق لها النجاح الجماعي، وهي من يملك كل عناصر هذا النجاح، من إرادة للبناء ومن بنى تحتية مبهرة.