كلنا يعرف أن للإنسان يدين، يمنى ويسرى يستخدمهما في تصريف شؤون حياته، وللطائر جناحان ليحلق بهما في الأعالي، وللزورق مجدافان ليشق بهما عباب البحار. وأي عجز في إحدى هاتين الوسيلتين تقعد الطائر على الأرض، والزورق يحوم في دائرة لا توصله إلى مرفأ الأمان. فهل استطاع الإنسان وحده أن ينجز ويعبْر ويعبّر ويحلق بيد واحدة! ألم يتشبث بحبل النجاة حين الغرق بيديه اليمنى واليسرى؟ فلماذا نعتقد أن يدنا اليسرى شؤماً وخرقاء؟ لقد أدرك العلماء والباحثون في أسرار الدماغ البشري أن حركة اليد اليمنى يتحكم فيها الدماغ بجزئه الأيسر، واليد اليسرى يتحكم فيها الدماغ بجزئه الأيمن. وأكدوا أن استعمال الإنسان يده اليمنى أو اليسرى يكمن في جينات الوراثة، وليس لعطل في الجزء الأيمن من الدماغ، لكنهم لم يقولوا بأن جينات الوراثة كلها يمينية (!) لتبقى اليد اليسرى دائماً أقل مهارة وذكاء. كعمال البناء حين استحضرهم لبناء غرفة في بيتي، حيث يأتي المهندس ويحضر معه عمالاً ليساعدوه في استعمال أدوات البناء وتطبيقها حسب أوامره فقط، لكن إذا تجاوزنا حقائق العلم وانتبهنا سندرك أن عجز اليد اليسرى له مصادر عديدة، لا حجة للعلم وحده فيها، منها أساليب التربية: فمنذ طفولة مبكرة يشجع الطفل على استعمال يده اليمنى، منذ إمساكه بزجاجة الرضاعة. وإذا لاحظت العائلة أن الطفل يستخدم يده اليسرى ينتابهم إحساس بالتطير والتشاؤم. ويطلق على الطفل الذي يستخدم يسراه بالأعسر، ثم تقوم العائلة بتصحيح هذا (العيب) وتقويمه بالنصح والإرشاد والعنف والعصا! وفي عادتنا العربية، فإن دخول أي بيت جديد ينبغي أن يتم بتقديم قدمه اليمنى تبركاً، فإذا أخطأ الداخل واستخدم قدمه اليسرى يعتبر دخوله شؤماً! والمصافحة تتم باليد اليمنى، وإذا كانت في حالة عجز لسبب ما، واضطر المصافح لمد يده اليسرى، فإنه يقدم اعتذاره مسبقاً! 
وثمة تناقض غريب سمعته حين ولادة ابني البكر. فحين بدأ بإمساك زجاجة الرضاعة بيده اليسرى تشاءمت والدتي، وحاولت قسره على استخدام يده اليمنى،لأن استخدام اليد اليسرى من عمل الشيطان حسب رأيها. وحين عارضتها بسملت وقالت: الأعسر سيكون ولداً ذكياً، لكنك ستشقين في تربيته! وهذا القول أيضاً سمعته من جارة لنا، فقد بسملت واستعاذت بالله كما لو أني ولدت ساحراً!
وغير هذه الأمثلة كثيرة. فهل نسلّم بحقائق العلم، أو نرتهن للمتوارث من العادات والمفاهيم التقليدية،التي تلغي جزءاً من قدراتنا البشرية ليسهل تطويع الجزء الآخر؟ أم ندرب يدينا لتكونا أكثر مهارة، وعقولنا أكثر ذكاء وانتباهاً؟