الإعلام هو ذلك المبضع السحري الذي من خلاله تتم عملية إزاحة الدمامل التي تنخر في الجسد، والتي تعمل على إيذاء مشاعر الإنسان، ولا تنهض الأمم بإكالة الأحاديث عن ماضٍ تولى، أو سرد ما قد فات ومات.
الإعلام هو دائماً المصباح الذي يسلط الضوء نحو الخطوات الأمامية، ليجعل الطريق سالكة، ممهدة، طيعة، سخية بمعطياتها، فلا تعثر ولا تكدر، ولا تغبن، ولا تعجن، بل هو هكذا الإعلام، إنه المسافة القريبة من الضمير، وهو النقطة البيضاء على جبين الكلمة، والإعلام لا يختزل الزمن بقدر ما يعمل على توسيع حدقة الرؤية، وتعميق التطلع، نحو المستقبل، وترسيخ مفهوم العلاقة ما بين القارئ أو المشاهد أو المستمع، والخطاب الإعلامي بصفته المنبر الذي من خلاله يتم النهل الصحيح ومن دون منمنمات زاهية ومن غير مضمون، فالكذبة في الإعلام من الممكن أن تكون حقيقة إذا صفت بعناية، وأناقة، وقدمت بأوعية من الذهب الخالص، لذلك الحروب اليوم ليست حروب السلاح، وإنما هي حروب الأفكار، وهذه الأفكار إذا لم تجد ما يحملها بذكاء، تصبح فقاعة، تلفظها العقول، وتنبذها النفوس، وتنفر منها القلوب، وتبتعد عنها الأرواح، ويصبح البث الإعلامي أشبه بالنفخ في قربة مثقوبة، فلا أثر، ولا تأثير، إنما فقط قطع للأنفاس لا أكثر ولا أقل.
الذين يفشلون في تقديم مضامين ذات قيمة، ومحتوى يحمل رسالة لها ثقلها، ووزنها، فإنهم يحملون الأوطان إلى مناطق خارج التاريخ، واليوم ومع بروز مواقع التواصل الاجتماعي وما لها من مميزات، وما عليها من نتوءات شائهة، فإن الإعلام بحاجة إلى مكوك فضائي ينقله من منطقة البث، على مناطق التلقي، وهذا بدوره يحتاج إلى قدرة الإعلام على ملامسة الواقع بجدية، ومهنية، وحرفية تجود بكل ما لديها من قدرات لأن تسابق الزمن في كسر حدة القلق من تلك الوسائل السحرية التي اقتحمت مضاربنا، وأصبحت نداً عنيداً.
الإعلام مثل الزهرة حتى نستطيع قطف وريقاتها الرقيقة، يجب علينا أن نتفادى الأشواك التي تمر من خلالها أصابعنا لتصل إلى تلك الزهرة.
الإعلام أنملة ناعمة يجب أن نتمسك بملمسها، حتى لا تخشن وتضيع في مغبة المصطلحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.