لعلكم مثلي اقتنعتم، من كل الذي شاهدناه في المباريات الأربع المصيرية التي حملت الأبيض بعلامة التميز الكاملة للدور النهائي لتصفيات كأس العالم، بأن هذا الأبيض، الذي أمطر شباك كل منافسيه ونال نقاط المباريات الأربع كاملة غير منقوصة، ليس هو الأبيض الذي أنهى مرحلة ذهاب المرحلة الثانية متوجعاً من خسارتين متتاليتين أمام تايلاند وفيتنام، ومصيباً جماهيره بإحباط شديد، حتى أن هناك من ظن أنه ضل طريق المونديال.
ذاك الاختلاف الجوهري في منظومة اللعب وفي درجات ارتقاء الأداء الجماعي لمستويات رائعة، وفي التطابق فعلياً مع فكر المدرب مارفيك، لا شك أنه نابع من إرادة جماعية لكل مكونات الأبيض، وقد أيقنت أن خيطاً رفيعاً هو ما سيقود لمواصلة الحلم المونديالي، ولكنه يعزى إلى تدبير حكيم للمرحلة من قبل اتحاد الكرة الإماراتي.
وهذا الحوكمة الجيدة التي برزت عند إدارة الأزمة لحلحلتها، أنظر إليها شخصياً من زاويتين:
الأولى تقول برجاحة عقل وبفطنة الاتحاد الإماراتي عندما تقدم بطلب استضافة البطولة المجمعة لمرحلة الإياب، ودافع عن أحقية منتخب الإمارات بتلك الاستضافة، ليخلص الأبيض وهو المطالب بالفوز في مبارياته الأربع المتبقية، من وجع التنقلات، وليمكنه أيضاً برغم ظروف الجائحة من الحصول على مساندة جماهيرية، حفزت اللاعبين لإظهار تلك الروح الجميلة التي وقفنا عليها بخاصة في مباراة فيتنام التي كانت أكثر المباريات اشتعالاً.
أما الزاوية الثانية فتقول إن اتحاد الكرة عمل خيراً عندما قرر إعادة مارفيك للإشراف على العارضة الفنية للأبيض، فما كان يقدر عليه مارفيك في هذا التوقيت بالذات، وفي السياقات الزمنية الصعبة جداً، أكبر مما يقدر عليه ربان آخر، بدليل أن مارفيك لم يستنزف كثيراً من الوقت ليضبط منظومة أداء الأبيض على مقاسه وفكره التكتيكي.
وقد شاهدنا الأبيض في مبارياته الأربع ينوع من أسلوب اللعب وحتى من الأسلحة التكتيكية، حتى أن الجبال التي توقعنا أن يصعدها ليقبض على تأشيرة المرور للدور الحاسم من تصفيات المونديال انبسطت، فرحبت الأرض وأمكن للأبيض أن يكرس بالأداء وبالنتيجة تلك الفوارق الفنية والتاريخية التي تفصله عن كل المنتخبات التي واجهها في مجموعته، برغم أن بعض هذه المنتخبات، فيتنام تحديداً، حققت طفرات نوعية في السنوات الأخيرة.
لا خلاف على أن لاعبي الأبيض قدروا جيداً حجم المسؤولية، وشعرة المونديال تتعلق بخيط واهن، بل وتفرض الفوز في الأربع مباريات. لا خلاف على أنهم شعروا بمقدار الإحباط الذي سيصيبهم مع تبخر حلم كأس العالم، فأتوا بردة فعل ولا أجمل، إلا أن خروج الأبيض من فقاعة الرداءة وفرضه لشخصيته، يأتي من الوصفة التكتيكية التي أوجدها مارفيك، فأعطتنا منتخبا إماراتياً يبدع شكلاً فنياً أعتبره ميلاداً أول لشخصية، يستطيع بها الأبيض أن يواصل بكل ثقة طريق الألف ميل.