أبحرت مؤخراً بين دفتي كتاب «أيام وذكريات» لمؤلفه الأستاذ عبدالرحمن علي الجروان، والذي لخص فيه رحلته من الدراسة إلى العمل في وزارة الخارجية حتى أصبح وكيلاً للوزارة، قبل أن يستقر مستشاراً في ديوان صاحب السمو حاكم الشارقة، مع إضاءات على إسهاماته في العمل التطوعي.
قادتني الظروف في سبعينيات القرن الماضي لترجمة لقاء بينه وبين صحفي إيطالي زائر في مكتبه المتواضع بوزارة الخارجية التي كانت عبارة عن مبنـى وملحقات ضمن مجمع الوزارات في البطين، خرج الزائر متأثراً من الآراء والردود التي سمعها وتعبّر عن مواقف واضحة ورؤى ناضجة لدولة وليدة في مرحلة صعبة كانت تعيشها المنطقة.
في كتابه أو لنقُل مذكراته سلّط الجروان الضوء على طفولته، ومرحلة الدراسة في الرمس برأس الخيمة والحيرة بالشارقة، وصعوبات عاصرها أولئك الرجال الذين صهرتهم الحياة، وغرست فيهم قوة الإرادة والتصميم وحبّ العطاء والتفاني للوطن، وتجلى ذلك عند الجروان في مرحلة بناء كوادر وزارة الخارجية وقتذاك.
تحدّث الكاتب عن أول لقاء مع المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل قيام الاتحاد، حيث قصدوه طلباً لدعم النادي الرياضي الذي أُنشئ حديثاً آنذاك، وكان اسمه النادي العماني، قبل أن يُدمج ويحمل اسم نادي الشعب، بعد قيام الدولة، ودُمج بعد ذلك ليصبح نادي الشارقة.
وصف الجروان رحلته مع رفاقه، من الشارقة إلى أبوظبي، والتي استغرقت أربع ساعات، ومنها إلى العين، حيث غرّزت بهم السيارة الصالون أربع مرات، قبل أن يلتقوا زايد الذي بدّد حالة الرّهبة والتهيّب التي كانوا بها وغمرهم بروحه الأبوية، داعياً إيّاهم للتجول في مدينة العين، بعدما أمر سكرتيره في ذلك الوقت المرحوم بطي بن بشر بأن يوفّر لهم سيارة، والقول لهم: «لازم تشوفوا بلادكم».
يتضمن الكتاب متوسط الحجم، أيضاً، وقفات مضيئة لشهداء الدبلوماسية الإماراتية الذين استهدفتهم رصاصات الغدر الإرهابية الجبانة، من قبل المنظمات المتاجرة بالقضية الفلسطينية في تلك الحقبة، والتي لم تنجح في النيل من مواقف الإمارات المبدئية والتاريخية تجاه حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة.
«أيام وذكريات» الجروان أولى بأبناء جيل اليوم قراءتها للتذكر والتدبّر بأن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود، وما حققته دبلوماسية الإمارات اليوم كان بالبناء على إنجازات الرعيل الأول... شكراً لـ «أبو علي»، وبانتظار مذكرات معالي أحمد خليفة السويدي، مهندس الدبلوماسية الأول، متّعه الله بالصّحة والعمر المديد.