منذ زمن بعيد والمقارنة بين الشعر الحديث والقديم تتسم بالتفاوت الشديد ما بينهما، والتوق كله ينصب نحو الشعر القديم، الذي يشعرك بتميزه ونقاء مضمونه وطرب قوافيه، وتصدي شعراء الأمس لعواقب الزمن، وما قد يصادف الأمم من محن، وقد تنحّى الشعر الحديث من المشهد، وكأن لم نشهد مقطوعة شعرية حديثة تلامس الحياة إلا ما ندر من أصوات الشعراء البارزين، وهم قلة، وبات الشعر الحقيقي ينحسر من سمات حياتية ومناسبات لها وقعها الزمني.
فالشعر حين لا يحمل مضموناً، ولا يقدّم إيقاعات جميلة فيتناغم الواقع بسحر جماليته وانتباه لما يحدث، يصبح الشعراء أقرب إلى عتمة المضمون وفراغ الأفكار الشعرية، لأن جمالية الشعر حين يزهر في حياة الشعوب، ويصبح صوتها ووقع أثرها تاريخياً، ولا يمكن نكران حضور القصيدة الآتية من عبق الجمالية الفكرية الشعرية. لذا لا بد من دراسات عميقة وحديثة لتقصي هذا الانحسار الشعري من قلوب الشعراء، الذين كثروا عدداً وقلوا شعراً، وبعضهم توهم وقد فر إلى عوالم أدبية أخرى، وفضل أجناسها، وبهذا ترى البعض يجرح الشعر بالبعد عن الثورة الشعرية الحقة، التي من شأنها أن تحرك ساكن القيم الفكرية.
نعلم أن الشعر هو المعاناة الحقيقية التي يتخفى خلفها الشعراء، وهو النبض الجميل من سحر الكلمات القادم من العمق، والذي لا يصل إليه أي من كان، إنه الإبداع الحقيقي، فإذا ما غاب تصبح الحياة مجردة من صوتها المثير، وإذا ما اكتفى الشعراء بمهمات بعيدة، وهمهمات لا تثبت على لغة الشعر وصوته التاريخي المثير للجدل، فإن الحياة الثقافية تصبح ناقصة يتنازعها الألم والخوف على الشعر الحقيقي من الانقراض.
ويتساءلون لماذا انحسر الشعر وتلاشت الأفكار الشعرية حتى أصيب الشعر في صورته وتجانسه؟ إذا لم يصوب الشعر المسارات ويتناغم مع الحياة، وإذا لم يترادف المعنى الشعري مع الوجود، يصبح لا قيمة للتجارب الشعرية، وتصبح اللغة الشعرية جريحة في معناها تبحث عن قيمها ومبادئها، ويبحث الشعر عن ذاكرته وموروثه الحقيقي. 
قليل من الشعراء لا زالوا يقبضون على القصيدة الحقة، التي تحاكي الحياة والتاريخ، ويتنفسون الشعر وسحره ونصوصه المختزلة إبداعاً ليبقى في ذاكرته ونبوءاته بين الشعوب والأمم، ليبقى في المشهد الحياتي اليومي كنبض قرائي لا يحاصره اليأس من أن يكون في مقدمة المهمات التي تختزل تجارب كل ما هو ناصع وجميل ونقي، فمدارس الشعر خلقت للحق ليسجل الشعراء بصوتهم الشعري ما ينبئ عن ضمير الشاعر الحق في احتضان الأبعاد الحياتية المختلفة، والتعبير عنها كأرقى ما تتجلى به لغة الشعر.