قد باعدت بين الناس الدروب، لكن الذكر الطيب والمحبة باقية في القلوب، كلمات ذات معنى جميل، قلما تسمع لها صدى، وفي رتم الحياة ما يوحي بجفاف الحديث، وتبدد دفء الكلمات وحفاوتها، إلا ملاذ الكاتبة الرائعة شيخة بنت سهيل المهيري حين تنتقي كلماتها بحرفة الكتابة وصون الموروث، في احتفاء جميل بالقيم التاريخية ورموزها، ولعله احتفاء بالحياة وجماليتها رغم حتمية سمات المدن في طور التشكل المبلور، والتباعد ما بين الناس حسياً.
احتفاؤها بالتفاصيل البسيطة، قيد احتماء من شرنقة متعبة وقاسية، تشقلب الحاضر على الماضي، من دون أدنى ذاكرة لما سبق، ومن دون أن تعنون لمعاني الماضي، أي فقده بما يوحي بالخلل القائم في الحاضر، فما تبحث عنه الكاتبة بمعنى الاستمالة إلى حياة جوهرية مؤثرة في سياق التوثيق الثقافي، المتقابل مع الحراك القادم، وهو ليس انكفاء على الماضي بقدر ما هو محاكاة ومقاربة لا بد منها ثقافياً.
والكاتبة، دائمة البحث في ذاكرة المدن وإيقاعها، وذات العلاقة معها، وبمدينة العين هي راصدة لها بوفرة، وهي تعمل على مشروعها بتروٍ سميق، وقد أجرت العديد من المقابلات الصحفية المهمة لمجلة «ليوا» ولا زالت تنشر، بما يثرى حسابها الشخصي على وسائل التواصل المجتمعي، إنها تعيد الصور القديمة، وتلمح عنها بشذرات قيمة، زمن منحاه الأمد الذي لا يضمر، زمن يتسلق ذاكرة الوجود، يعيد الموروث إلى آفاقه الباقية من دون اجترار، تسوق دائماً على الذاكرة تساؤلاتها قائلة: «من يعرف شيئاً عن هؤلاء وأين هم؟ من يذكره لنا؟» وأحياناً تظل الإجابة حائرة، وتستأنف فضاء البحث عن الحقيقة غير المتوارية خلف سياق ما، لكن بالإدراك والمثابرة الصحفية ربما يكتمل عقد البحوث والمعنى الجميل لهذا الجهد المتمعن في الذاكرة.
هذه الرؤية الباحثة في الجمالية المجددة وفي فيض التحول واختلاجاته استئنافاً لما حدث ويحدث، هذا التأمل والنبش في المكون والمكان والتاريخ هي لست تصحيح مسارات بل هي دفة حوارات تسيل كلما ابتعدت بك الحياة وازدهر الوجود فيها، فهذه هي الرؤية الحريصة على كل التفاصيل القيمة.
وما زالت مدينة العين تحمل أقصى السمات في وجودها وملامحها وصفاتها، وقد تعرف سماتها في أهلها فلا يمس الشك ملامحهم ولا تحيد المدينة عن صفاتها ولا تنجرف عن تاريخها، مهما اتسع أفقها، لذا تجد الكاتبة شيخة المهيري نفسها فيما تورده من بنيات متسعة ذات قرب للحياة ونيرة في التوازن الفكري والثقافي ما بين الماضي والحاضر، وكأنها تشعل النور لتبقى ذاكرة المدينة إشعاعاً مهماً في طور الارتقاء الزمني والحياتي، وتؤكد للأجيال القادمة أهمية الموروث في نضج الأمم.