- دائماً ما أفتكر وأتفكر في الأجيال المقبلة، ومسألة التغرب اللغوي عندهم، واحتضان الإنجليزية لهم، وتفكيرهم بها، الأمر الذي ينعكس على السلوك الاجتماعي والآداب العامة التي تعرف لدينا بـ «السنع والمعنى والمنقود»، لأن اللغة تفرض سطوتها على الآخر، وتعطيه هويته الجديدة، الجيل الجديد في مجتمعنا المتغير، وحديثه بالإنجليزية في المنزل، مثلما يفعل زوج وزوجه حديثا الارتباط أو مثل عائلة صغيرة أثناء التسوق في «المول»، تصوروا كيف يمكن أن يخلقوا نكتة مضحكة من نكاتنا بتلك اللغة الغربية والغريبة! كيف يمكن للأب أن يشرح للأبناء عن أماكن وأناس قُدُّوا من تعب الزمان، وقساوة المكان! لا أعرف كم سيستمر ذلك الانقطاع بين الأجيال.. الجد والجدة والأحفاد؟ ذلك التواصل الذي يجعل كثيراً من الأمور والحكايات والسرديات تنتقل عبر الزمن من أجل الإنسان وصالح المكان. الإنجليزية تنسي الجيل الجديد «عراجيب الرمال وندودها ونكودها»، ونواح حمام الراعبي، ونسمة السهيلي، ورنّة المنحاز في الفجر، والقهوة المهيلة، وتلك اليد المحناة التي تزلها وتصبها، مخرافة الرطب في الصيف التي تزور بيوت الحي، تزاور لقمة الغداء وإطعامها للجيران، لقد بحثت عن تلك الأشياء الدافئة في حياتنا مثل شيء لا نوده أن يغيب في قاموس «أكسفورد» فلم أجدها، ولم أجد ترجمتها، فبكيت جيلنا المقبل.
- مرات تودُّ أن تكون متوحداً بأشيائك، وما يمر في وقتك، تود ألّا يسحبك شيء من مكانك، وما أنت متفاعل معه وبه، فيأتي شيء خارج الوقت، ويخرّب عليك مزاجك من الصباح، مثلاً؛ وأنت تتمطى من أثر النوم المتقلب طوال الليل، وتتصارع مع أحلام غير وردية، كلها سهام وسموم ومشاجرات غير ضرورية مع «سهيلة» لدواعي عدم السفر، وتتجه إلى النافذة لتفتحها، فيلفحك ذلك الحر بدرجته التي تتعدى الأربعين، وتلك الرطوبة المشبعة، تلوذ بمكان ظليل، وتجلس تمزّ قهوتك التي بلا طعم في هذا الصيف الماكث فيه أنت على صدور أهل بيتك، مشاطراً زوجتك ملعبها داخل المنزل، وكأنك لاعب احتياط لا يرجى منه نفع في مواسم «أدنوك» المقبلة، تقرأ الجريدة أو هكذا تحاول أن تتعامل معها بطريقتها الرقمية الجديدة، وفي الوقت نفسه تكون مشغلاً التلفزيون تتابع أخبار «كوفيد 19» وتحوراته الجديدة، دخول طالبان كابول، وحرائق الغابات في دول البحر الأبيض المتوسط، وما تعرض له ذاك البلد الجميل على الدوام الجزائر من حرائق الغابات، وحرائق الفتنة، لبنان الذاهب إلى الخراب النهائي والزمرة السياسية في تصييفها المعتاد على بحر اللازورد الـ «كوت دازور»، تتفرج من بعيد، متاجرة بالـ «مازوت» من بعيد، وكأنها لا تعرف شيئا عن ما يعاني منه أولئك «الهمشرية» الصابرون على الجمر والقابضون عليه، تُفاجأ بالضحايا المتزايدين لزلزال «هايتي»، وقول كثير من شعوب العالم: وداعاً للفرح! وفجأة يحلّ عصفور على فنن، وتسمع زقزقته الباردة، ومحاولته صنع فرح كان مسروقاً، فيخرّب صباحك كله.. ونهارك بطوله!