أتت سنوات على كرة القدم المغربية ما زلت أذكرها، جف خلالها الضرع، وما عادت منتخباتنا ولا حتى أنديتنا تحرك ساكنا، أو ترسل ومضة نور تبدد عتمات الطريق..
وبعد أن قلبنا هذا الجفاف المزمن من كل أوجهه أدركنا أن سبب هذه الغيمات التي لا تمطر، وسبب هذا التصحر الكبير الذي حدث على مستوى النتائج والإنجازات، هو أن كرتنا تعيش بنظام الهرم المقلوب، فشعاع التميز والإبداع ينعكس من فوق، بينما الطبيعي أن يكون توهج قمة الهرم من اعتدال وسلامة قاعدة الهرم، والحال أن ما رصد لعقود من الزمن من موازنات مالية رصد بالكامل للمنتخب الأول ولم تحظ منها المنتخبات السنية إلا بالفتات، وذات الإسفاف بقواعد الحوكمة مورس على الأندية، فعشنا تحت شجرة تخفي غابة من الأخطاء..
في كرة القدم كما في كل الرياضات، لا تتحقق استدامة الإنجازات والنتائج الجيدة على مستوى المنتخبات الوطنية، إلا إذا كان الهرم في وضعه الطبيعي، وإلا إذا اتسعت قاعدة هذا الهرم وجرى الاشتغال بحرفية كبيرة على مختلف طوابقها..
وكنت أظن، مع التطور العلمي المتسارع الذي مس كل أضلاع المنظومة الرياضية، أنه ما عاد هناك مجال أبدا لتوقع حدوت أي إنجاز عالمي أو قاري بنظام الهرم المقلوب، إلى أن باغتنا المنتخب المغربي للصالات، بمشاركته المبهرة والتاريخية في كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة.
صحيح أن محطة ليتوانيا سجلت الحضور الثالث تواليا لأسود القاعة في المونديال، إلا أن المنتخب المغربي الذي بات اليوم بين أفضل ثمانية منتخبات في العالم، وما غادر مونديال ليتوانيا من دور الثمانية مهزوما بشق الأنفس من البرازيل بطلة العالم في خمس مناسبات، معادلا إنجاز المنتخب المصري، لم يكن في واقع الأمر نتاج دوري مغربي قوي ومهيكل، بل إنه واحد من مظاهر الهرم المقلوب الذي عاشت عليه كرة القدم المغربية لسنوات عدة.
دخلت كرة القدم للصالات إلى المغرب كأي سلعة مهربة، عشقها من جلبوها وعضوا عليها بالنواجذ لكي لا تختنق ببيئة رياضية أحادية القطب والاهتمام. نشأت أندية في مدن معزولة وانتظمت فيما بينها بحلقات رياضية بلا أدنى دعم، ويوم دفع اتحاد الكرة تحت ضغط دولي، لاحتضان أصناف تنتمي لكرة القدم المتنوعة، كان من حظه أن تلك النبتات المعزولة أثمرت لاعبين، نجح المغرب من خلالهم في تكوين منتخب وطني خرج سريعا للمسرح الأفريقي ليصطف خلف المنتخب المصري، وليضمن مشاركة أولى وثانية في كأس العالم، قبل أن تكون الثالثة ثابتة بليتوانيا، وما كان يمكن أن تأتي المشاركة بتلك الجمالية لو لم يمكن اتحاد الكرة أسود القاعة من تحضير استثنائي أثمر مونديالا تاريخيا سيعيد بلا شك الهرم لوضعه الطبيعي.