تبدأ بعض الأعمال (السينمائية والروائية) من المشهد الأخير، الذي من المفترض أنه يحمل خاتمة القصة، ثم يقوم صانع الفيلم مثلاً باستخدام تقنية (فلاش باك) ليعطي للمتابع خلفية هذا المشهد الأخير، فتأتي الشخصيات والأحداث تباعاً لتحكي القصة التي عرفنا خاتمتها. 
لهذه التقنية مخاطر شتى، أهمها التحدي الذي يجب أن ينجح فيه صانع العمل في قدرته على الاستمرار بأخذ القارئ أو المشاهد المصدوم بالمشهد الأخير (الذي ظهر بداية العمل) والعودة به للخلف إلى كل ما سبق، إلى الإرهاصات ولكن بذات درجة المفاجأة والتشويق التي يجب أن تُبقي القارئ أو المشاهد رهينا للحالة متمسكاً بها حتى يصل إلى اللحظة النهائية في العمل ومن جديد يتفاجأ بالمشهد الأخير وكأنه لم يره من قبل..!
حسنا،، يبدو هذا الأمر نظرياً إلى حد كبير فقلما تصادفنا أعمال بهذه الجودة والقدرة على التأثير فينا، وإن وجدت في بعضها تظل قاصرة على صنع حالة المفاجأة في أطراف دون أخرى، ولكن في الحياة الحقيقية يبدع الواقع بأكثر مما يتخيله العقل، خاصة في الفترة الراهنة بكل ما تملك هذه الفترة من تقنيات نقل الصورة والخبر، نجد طوال الوقت صوراً للمشهد الأخير حولنا بكل ألوانه وأصواته وحتى الروائح تكاد تخرج من المشهد نافذة مستقرة في مخيلتنا، في الحياة الحقيقية وفي كل يوم وكل ساعة نصادف المشهد الأخير أو بالأصح مشاهد أخيرة من دون أي بحث، بالمجان، مشهد هنا وآخر هناك، غير أنها مشاهد لا يسعى أحد لعمل فلاش باك ليفسرها لنا، كما أننا نتعامل معها متناسين تماماً أنها لم تأت من فراغ، ورغم ذلك ينساق أغلبنا في التعامل معها وكأنها سقطت من السماء بلا مقدمات.
إلى أي مدى ننتقص من أنفسنا ومن الآخرين ونحن نستسلم لتلك المجانية التي تمنحنا إياها المشاهد الأخيرة، فلا نعطي الحياة حقها ولا نقدم لأنفسنا مما هو أكثر من ما يُعرض أمامنا، متجاهلين تماماً أن هناك ما هو أعمق مما يبدو لنا، وأكثر تفصيلاً وأشد قوة، من يقف على المشهد الأخير ولا يذهب إلى ما هو أبعد، يفوّت طعم ورائحة ولون الحياة، بكل تطرفاتها، وهي غايات يسعى إليها المبدعون الحقيقيون، الذين يغوصون في الدمعة ويسرحون في الضحكة ويتبعون الرائحة ويرصدون صدى الصوت، أولئك الذين لا يمضون من دون تأمل يصنع لذة تساوي، وقد تتفوق على لذة النتيجة، أولئك الذين يقدمون للبشرية الكثير والكثير.. لكي تحظى أنت بالمشهد الأخير.