هناك من يشتغل بالفعل وبكل جدية وإصرار لمعرفة الطريقة التي يفكر بها عقل الإنسان، وبالذات عقول أولئك الذين لهم طروحات مغايرة غير اعتيادية لما يقدمه أقرانهم، ولذلك، فإن آراء البعض التي تبدو غريبة وغير مقبولة للوهلة الأولى، قد تكون إبداعاً أصيلاً غير ظاهر، يحتاج لعقول نيرة في بيئة سوية تستوعب إضاءاته، وهذا ما يسمى بالبيئة الحاضنة للتميز التي لولاها لما تحقق للمميزين أي إنجاز.
في خمسينيات القرن الماضي، أقدم عالم النفس الأميركي «لويس تيرمان» على تعقب حياة أزيد عن 1500 تلميذ من مدارس ولاية كاليفورنيا، كانوا قد خضعوا سابقا لاختبار الذكاء «أي كيو» وحصلوا على مقاييس عالية، مقارناً بذلك مسيرة حياتهم (خلال 40 عاماً) بحياة غيرهم من الأطفال، الذين حصلوا على درجات ذكاء أقل. وخلال تعقبه رصد نجاحات المميزين في حياتهم، كالأكاديميين والساسة والأطباء والأساتذة الجامعيين والموسيقيين والباحثين المنتجين ممن تمكنوا من حصد براءات لأكثر من 350 اختراعاً. 
وفيما يبدو، فإن هؤلاء المميزين يحملون قدرات وراثية جعلتهم يحصلون على معدلات ذكاء عالية، غير أنها غير كافية إطلاقاً لتفسير تميزهم في إحراز تلك الإنجازات، وهذا ما يفسره عدم قدرة بعض الأطفال الأذكياء على تحقيق شيء عندما كبروا، بل إن بعضهم عانى ظروفاً قاسية ووجدوا صعوبات حتى في كسب عيشهم!
للبيئة القرار الأخير في توجيه استثمار الذكاء وتحقيق العبقرية المُنجزة للمُنتَج الفارِق، والبيئة بمفهومها الشامل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي والقيمي السليم، كلها توجه الأذكياء إلى العبقرية بسبب تأثيرها المباشر في مسيرة الإنسان، وهو ما يفسر حسب دراسة «تيرمان» أن هناك من الأطفال، ممن كان حاصل ذكائهم منخفضاً، تمكنوا من تحقيق فروقات في المستقبل وأصبحوا رواداً في مجالاتهم، وهنا يظهر الدور الفعلي للمثابرة والإصرار والبيئة التي يجيد البعض استثمارها فيصبح شخصاً قادراً على تغيير العالم.