لا أدري كم مرة يستعمل أهل الإمارات جملة «خَلّه يوَلّي» في نهارهم وليلهم، غير أنها بالتأكيد من أكثر الجمل استعمالاً في قاموسنا اليومي، لا يوازيها إلا جملة «مرحبا الساع». «خَلّه يوَلّي» لها معان عدة، واستخدامات عدة، وتقال بنبرات متعددة، وهي وحدة قياس الحال، وما يؤول إليه المآل في حياة الناس، وعنفهم اللفظي:
- واحد ما عجبهم تصرفه، وتبرموا من أفعاله، وسوء أخلاقه، صاحوا غير مكترثين: «خَلّه.. يوَلّي». مقياس سلوك.
- مدرس ما جاء على خاطر الأهل، ولم يتساهل مع أبنائهم غير النجباء، وأصر على أنهم والتيوس من فصيلة عدم الفهم، ولن ينجحوا لا في المدرسة، ولا في الحياة، ما داموا هكذا هاملين، خامدين، خاملين، يصرخ بعض أولياء الأمور: «خَلّه.. يوَلّي»! أصلا هذا المدرس، مدرس دروس خصوصية، وما يعرف التدريس. مقياس أداء.
- إذا ما مرّ شخص، ولم ينتبه لك، ولم يلق عليك السلام، فستعتبره إما متكبراً، وإما نافخاً صدره على الفاضي، لذا لن تخطئه جملة: «خَلّه.. يوَلّي»! شكله هذا «خكاك»، و«متكومن»، وما عارف نفسه. مقياس عتب.
- إذا واحد تحدث عن شيء، وبالغ فيه، وكبّره، وضخّمه، وادّعى أنه الأفضل، والأجمل، والأحسن، والأفضل، فسيتركه الناس، وحالهم جميعاً يقول: «خَلّه.. يوَلّي»! هذا «لوتي.. عطّالي، بطّالي، واللي يقوله، لو فيه خير، ما رماه الطير». مقياس لصيغ المبالغة.
- بعض أبناء الجيل الطالع الجديد يتعب أباه، ويشقي أمه، وبالتأكيد لا يستمع لكلام خاله، أما عمه فلا يعده إلا واحداً من أبناء القبيلة، وحين يحتاج للزواج طمعاً في بنت العم، ويريد كل شيء على شوره، وبكيفه، ويرغب مستقبلاً في أن يصبح «هتّلي، وما عنك ناشد يا بن راشد»، فتسمع الناس قبل الأهل يقولون: «خَلّه.. يوَلّي»! «امّبونها النار ما ترّث إلا الرماد». مقياس للتربية.
- إذا أحد ظل يهلّ عليك ما في رأسه من الكذب، و«يخرّط عليك من الأولي والتالي، وأنت فاك نطعك، وهو يمزر إثبانك»، حتى تكتشف بأنه لا شيء في قبض اليد، تقول في خاطرك: «خَلّه.. يوَلّي»! أعمى عيوننا من الكذب، وخَرّسنا من «الخريط». مقياس لعدم الرضا.
- إذا واحد من المسؤولين ما يترك بثاً مباشراً منذ صباح الإذاعة الباكر إلا وأدلى بدلوه فيه، ولا يترك مناسبة عرس جماعي إلا وكان أول المهنئين، وتلقاه يظهر في الصحف من أسبوع لأسبوع، وينتهز أي فرصة تلفزيونية، ولو كانت بين شوطي مباراة خاسرة، ليعلق على أداء الفريقين، وتجد جلّ حديثه عن البنية التحتية، وتحسين الأداء الإداري، وعصر النفقات، والحوكمة، لكن قبل ما أن يتم حديثه المكرر، تسمع الناس يقولون: «طبّه.. خَلّه يروح يوَلّي لاه». مقياس للرأي العام. 
- إذا واحد «كبر الدرام» يتضارب مع كرسي سيارته، و«يلايم» سندويتشات الشاورما، ومعه أولاده الصغار، كمشاريع تعليف مبكّر، وبعد ما خلص من «لطم» تلك الذخيرة اللحمية الشحمية يتثاقل ويرمي ورق السندويتشات المشبِعة بجانب سيارته، ويتجشأ باعتدال، وينصرف مودعاً البيئة غير النظيفة، هذا ما له إلا: مخالفة، و«هزاب» من حزب الخُضر، وجملة «خَلّه.. يوَلّي». مقياس تحضر، ووعي بيئي.