كنت أعمل مع فريق تصوير سينمائي أوروبي هنا قبل أسبوع، وعادة حينما نصور أفلاماً  فإنها تستدعي استهلاك بطاريات كثيرة بمختلف أنواعها، لكن الفريق الأوروبي فاجأني مع نهاية التصوير بأن لديهم «خريطة نايلون» مليء بالبطاريات المنتهية، ولم يجدوا المكان المخصص لرمي مثل هذه المخلفات التي تضر بالطبيعة والبيئة، والتي يفترض على المدن في العالم كله توفير مكب خاص بها، وإعادة تدويرها أو التخلص منها نهائياً بشكل آمن، مثلها مثل النفايات الطبية والكيماوية، فانتفضت قائلاً دون علم حقيقي: ستجدون عندنا في العادة ثلاث حاويات للنفايات بألوان مختلفة، وعليها بعض التعليمات، واحدة للزجاج وأخرى للمواد البلاستيكية وثالثة لم يجدوا لها تسمية، فسموها للمواد الأخرى، لكنهم جاوبوني قبل أن أنهي التعليق غير الحصيف: ندرك ذلك، وهو من اختراعنا، لكن يجب أن يكون هناك مكب خاص بالبطاريات وما شابهها، كما هو معمول عندنا، والتعليمات صارمة بهذا الخصوص، فأخرستني المفاجأة، وبدأت اسأل بجد عما إذا كان عندنا شيء من هذا القبيل. في البداية خابرت بدالات الجهات التي كنت أعتقد أنها مختصة، فظهرت لي البدالة الإلكترونية أو المساعدة الافتراضية، والتي كان اندهاشها أكثر مني، ومعلوماتها بهذا الخصوص أضعف مني، فتذكرت الماضي وأيامنا الخوالي، وكيف كنا نصنع بالبطاريات المنتهية صلاحيتها، إما نرميها في الشمس، ونجعلها تتورم، وحين نمر عليها بعد أيام، فإذا بأحشائها ظاهرة بفعل الشمس والحرارة، وبعضنا من فضوله تجده يشرّح البطارية ليعرف سرها، وبطاريات زمان كان فيها مثل الصلب أو إصبع فحم، الآن ربما تحول إلى سائل أو خلافه، وهناك نفر من ذاك الزمان تجده يختبر البطارية المنتهية بطرف لسانه، يجسها إذا ما زال فيها رمق حياة، أما شياطين الحارة فتجدهم يحرقونها أو يصنعون منها مفرقعاً من اختراعهم، لأنهم من جماعة «الشلّق والشرشار»، أما بطاريات الراديو الكبير، التي تشبه الطابوقة، فمقرها بعد انتهاء صلاحيتها السطح الذي كنا نجلس تحته فرحين، وغير دارين بتلك القنبلة الموقوتة التي على رؤوسنا! واليوم هذا الفريق الأوروبي المحترم رفض رمي بطاريات بمقدار «أصابع الست» إلا في المكان المخصص لها أو يأتي أحد من المسؤولين لاستلامها منهم، والتصرف بها وفق القوانين المعمول بها في كل بلد. فتخيلت ذلك المدرس الأردني الذي يشبه عسكرياً مستجداً، والذي تجده غاضباً منذ الصباح الباكر دونما أي سبب، ويتقدم له طالب علاماته لا تؤهله ليكون من الطلاب النجباء، مع تعثر واضح في مادتي الرياضيات والفيزياء بالذات، يأتي لذلك المدرس الذي يغلي من فجر الله، ويداه في جيبه، وربما يعلك «لبانة» ذابت حلاوتها منذ فترة، ويسأله بـ «سقاعة» على الصبح: أين المكان المخصص لرمي البطاريات الخربانة يا أستاذ؟!