هل يحق لدور النشر الحديثة العبث بكتب التراث والموروثات التاريخية والدينية مهما كانت فيها أخطاء أو غث لا يتقبله العقل الحديث ولا أحكام عصرنا المتمدن، ولأن المنطقة المشاع دائماً كل من يأتي يمكن أن يحرث فيها، ونظراً لغياب المرجعية أو الجهة المشرفة والقوية التي يمكن الاستناد لها، وعليها في دولنا العربية، والوثوق برأيها وحكمها، فيما يخص المنجز الحضاري من ثقافتنا العربية والإسلامية، والتصدي بحزم لما يتعرض له من عبث وتصحيف وتحريف على أيدي أناس غير مدركين لفعلهم، أو عارفين، ومتآمرين على المنجز الحضاري العربي:
-    هناك دور نشر «إسلاموية» تعتقد أنها تفعل خيراً بدس أحاديث هنا وهناك، تنثرها في طبعات جديدة من صحيح الشيخين أو كتب لها طابع ديني إرشادي.
-    هناك دور نشر «طليعية» تحذف بعض «الأحاديث الضعيفة» والتي ترى أنها لا تتماشى مع العقل والمنطق، وتضر أن تنسب للرسول الكريم، وفي بعضها مخالفات للنص القرآني، لكنه تشويه للكتب الأصلية، خاصة صحيحي الإمامين البخاري ومسلم، بما فيهما من غث وسمين.
-    هناك دور نشر لا تعرف لها ديناً، مهمتها السطو على كتاب «ألف ليلة وليلة»، ومحاولة جعله كتاباً للراشدين، بتهذيبه وتشذيبه، وحذف بعض القصص، وتغريب بعض الشخصيات التي فيه، وجعله معداً لأولاد المسلمين اليافعين، وفي عداد كتاب «بلوغ المرام» أو كتاب «رياض الصالحين».
-    هناك دور نشر تسمع صفير الدراهم من بعيد، وتعرف كيف تغنم من دهرها ما وجب، وغير ما وجب، فتتناول كتاب «ألف ليلة وليلة» في طبعات جديدة، مزيدة، ومنقحة، فتضيف قصصاً جديدة على نسق الأسلوب القديم، وتخلق أحداثاً جديدة، وتستعير قصصاً من كتب الجنس العربي وتضيفها فيه، ولا تتوانى أن تستعمل حتى مفردات جنسية حديثة، من أجل جعله كتاباً «إيروسياً أو إيروتيكياً» أو جنسياً عربياً صرفاً.
-    هناك دور نشر «مذهبية» تلعب على نغمة المذهب، فتتناول كتب الخصوم وتفرغها من محتواها، وتبث فيها سمومها، وتأخذ كتب الموالين، وتضيف إليها الكثير من عسلها ودسمها، بعد أن نزعت من بهتانها وفحشها.
-    هناك دور نشر «متأزمة» من التاريخ العربي، فلا يمكن أن يظهر كتاب في التاريخ العربي القديم، إلا إذا كان الخليفة محاطاً بالجواري والقيان، وكؤوس الدنان، تاركاً الجهاد، وسوس العباد، وتأمين ثغور البلاد.
-    هناك دور نشر «مهمومة» بالتاريخ، بحيث تظهر كتب التاريخ العربي، خالية من الدم والقتل، منزوعة الدسم، بحيث تظهر للطفل العربي تاريخ أجداده، وكأنه مسلسل أطفال ياباني، وأن «ابن خرشمة» طوال حياته كان يلعب بالزهور ووسط الحدائق الغنّاء، ولم يعرف في حياته غزواً أو نهباً أو سلباً. 
كل تلك الدور، والمؤسسات الطائفية أو التي يتبعها سواء كانت مع أو ضد، هي اليوم تلعب دوراً خطيراً في السطو والتزوير، والتشويه، ولا تخدم أحداً إلا نفسها الأمّارة بالسوء، والساعية بجهلها نحو حتفها الذي يمكن أن يجرف معه تراثاً إنسانياً، قبل أن يكون عربياً أو إسلامياً!