عندما كنت أفكر في معنى الرحيل بالنسبة لي، كانت كل هواجسي من هذه المفردة، تتوجه نحو الحقائب التي يجب أن أملؤها وقت مغادرتي أي مكان، ما الذي يجب أن أصحبه معي، وما الذي يجب أن أتركه لمن رافقوني رحلتي، والحقيقة أني جاهدت نفسي كثيراً للتعامل مع هذا المعنى بطريقة خالفت ما اعتدت عليه، وخصوصاً أن لهذه المفردة وقعاً صعباً على الإنسان، كوننا بُرمجنا طويلاً على المعنى المؤلم لها!
الحقيقة التي علمتها أنه لا يوجد مفردة في الحياة لها شكل واحد فقط في تفسيرها، وعندما نضع نحن البشر تعاريف للأشياء فهذا يعود إلى البرمجة التي أدخلها إلى عقولنا من ترعرعنا بهم، هم يخبرونا عن معنى الأشياء فنعيش باقي حياتنا نتعامل معها بنفس الطريقة دون توسيع مداركنا لمعاني أخرى، ونتعصب بشدة ضد أي معنى لا يتطابق مع ما نعرفه.
لن أحاول هنا أن أضع معاني جديدة أو معارضة لما اعتدته لتعريف الرحيل، ولكني سأقدمه بشكل اعتقدت طويلاً، وقررت اتخاذه مؤخراً بكل سعادة وسلام.. خلال مسيرتي الوظيفية وجدت الكثير يرحلون، كان لأغلب تلك الحالات وقع مؤلم جداً في نفسي، بعضهم أجهشت بكاءً في أثرهم، وبعضهم تركني في حالة اكتئاب احتجت زمناً لأعالجه، وهو أمر لم أتصوره يوماً لأحبتي.
أن ترحل بجمال، يعني أن تحول قراراً اعتاد العالم على اعتباره مؤلماً، إلى نقطة مضيئة في حياتك وملهمة لحياة الآخرين، وهذا يكون عندما تقرر أن يكون الرحيل خطوة شجاعة لبداية جديدة، وفقط عندما يكون قرارك وبإرادتك، وفي التوقيت الذي تختاره بنفسك، وفي أفضل الظروف المحيطة بك، وعلى قمة منجز تدرك تماماً حقيقته، هكذا تجعل قرار رحيلك أنيقاً يليق بمسيرتك.
قبل الرحيل عليك أن تتأكد من أن حقائبك مليئة بصور مبهجة، فيها ابتسامات وضحكات وعيون لأناس ستسترجع اللحظات الجميلة التي تشاركتها معهم، عيون ملؤها الإعجاب والانبهار بنجاحاتك رغم كل الظروف والتحديات، إذا كانت هذه حمولتك أثناء رحيلك، حينها سيكون لرحيلك معنى آخر.. معنى أنيق يحيطه الألق.. لا يشبه أي رحيل.