كان لما كتبته عن «رسائل الحب القديمة» وقعٌ عميق على بعض القراء الذين أكرموني بالتعليق وانعكاسات المحبة في قلوبهم وكم أسعدتني عباراتهم التي حاولت دمجها مع تصوري لانفعالات وجوههم ودعوت لهم بأن يحفظ الله سر وأسرار محبتهم وأن يفتحوا تلك الحقائب الحمراء فذلك من قواعد قرارة النفس وجس النبض وتخطي المستحيل.
وفي يوم الجمعة اقتحمت سيارتي وذهبت إلى مقر عملي فكنت في مكتبي عند السادسة والنصف صباحاً، هكذا نستقبل قرارات أولي الأمر، وما أن توافد الموظفون حتى انهالت التبريكات بيوم الجمعة وبدايات الخير والتغيير الإيجابي لصالح وطننا الغالي. 
بعد الدوام الرسمي والصلاة والترتيبات لمشاهدة مباراة كأس السوبر الإماراتي قررت الذهاب إلى المخبز لشراء خبز الشعير.. دخلت المخبز وقدمت طلبيتي للعامل وكنت أنتظر عودته من ممر الخبز الذي يقع خلف منضدة الخدمة، سار نظري يسرح ويجول في المخبوزات والحلويات التي ترفع معدلات السكر في الدم والمملحات التي ترفع ضغط الدم والنشويات التي تزيد الوزن، وقع نظري على شاب كان يقف بين باب المخبز والمُحاسب وقد اتكأ على طرف طاولة الدفع ونظر إليّ وعيناه تبرقان فصرت أتصور ملامح وجهه من دون تلك الكمامة جذبني إليه لون كندورته الزيتية الداكنة والمسباح الذي جمعه في دوائر لفها حول إبهام يده اليمنى. 
انتشلني من ذلك الواقع صوت عامل المخبز الذي قال بصوتٍ خافت وكأنه يوقظني من حلم.. مدام طلبيتك صارت جاهزة.. مد يده فتناولت أكياس الخبز والمناقيش وسرت بخطى ثابتة ومعدودة نحو المُحاسب، رفعت رأسي فوجدت الشاب يقترب من المُحاسب أيضاً أيقنت حينها أن طلبيته أصبحت جاهزة أيضاً لأنه كان في المخبز قبل دخولي ففسحت له مجالاً لتخليص معاملته قبلي إلا أنه رفض وقال مايستوي خالتي انتي الأبدى، دعوت له قائلة: «الله يحفظك ويغفر لمن رباك فأحسن التربية»، قدمت للمُحاسب طلبيتي فقال لي سعرها حينها أخرج الشاب من مخباه نوط مكسف بو مية درهم ومد يده بالنقد للمُحاسب الذي نظر إلى البيزات التي في يدي، وقال: خلاص مدام.. رجال يدفع.. فقلت له: «مايصير..» فقاطعني الشاب قائلاً: «في دار زايد كل شيء يصير»، فقلت في دهشة وحب وخجل: «يزاك عند ربك خير.. لن نقف في وجه المحسنين فذلك ليس جزاء الإحسان». 
لحظات وتوارى ذلك الشاب الإماراتي.. الخضر، وأي ردة فعل لهذا الجمال كله جاشت وطاشت بي، فقلت في خاطري والدموع تُغرق عيني صدقت.. الحمد لله على «عيال زايد» وهذه هي بذور المستقبل الباهر التي زرعها الباني المؤسس، طيب الله ثراه.
للعارفين أقول، انصبت دعوتي لذلك الشاب وأنا أتناول الخبز واستذكرت أبياتاً لمحيي الدين بن عربي: «أتاك الشتاءُ عقيبَ الخريفِ.. وجاء الربيعُ يليه المصيفُ// ودار الزمانُ بأبنائه.. فمن دوره كان دورُ الرغيف// سرى في الجسوم بأحكامه.. تغذى اللطيف به والكثيف// عجبتُ لهم جهلوا قدرهم.. ويسعى القويُّ له والضعيف// فأصبح كالماء في قدره.. لديهم وفي الماء سرٌّ لطيف».