ما عادت السيرة الذاتية وحدها تكفي لاختيار ربان فني لأي منتخب أو نادٍ، حتى لو كانت تلك السيرة الذاتية تحكي عن مسار كبير، طاف خلاله المدرب وجال بين بيئات كروية متناقضة، وتجرد إنجازات كثيرة هنا وهناك، فما تضمنته القراءة العميقة والجيدة للسيرة الذاتية لا يمكن أن يزيد عن 10 بالمائة في ممكنات النجاح.
القول إن هذا المدرب أو ذاك هو رجل المرحلة، لا يكون بالارتكاز فقط على السيرة الذاتية، وإلا لما كان الهولندي فان مارفيك قد رحل عن منتخب الإمارات لا متحسراً ولا مأسوفاً عليه، وهو الذي مكّنه الاتحاد الإماراتي من فرصتين، وقد جرى انتدابه بالاعتماد على نجاحات فنية تنطق بها سيرته الذاتية، ولما كان مدرب في عبقرية الإيطالي فابيو كابيلو قد فشل نوعياً وليس كمياً في تجربته بإنجلترا مع «الأسود الثلاثة»، ولما ثبت بعد حين هنا وهناك، أن من وصفوا بالمدربين العالميين، وروج لنجاحهم الباهر، إنما كانوا «مجرد كذبة»، و«وهم كبير» صدقه الناس.
الأندية والاتحادات الكروية المؤسسة على قواعد تدبير عالية الاحترافية وضامنة لنسبة عالية من الجودة والدقة، وحتى النجاح في صناعة القرارات، بخاصة تلك التي يرتبط بها مصير منتخب أو نادٍ، تذهب في اختيار الربان الفني إلى ما هو أهم وأبعد من السيرة الذاتية، إلى مساءلة هذا الربان حول مشروعه الرياضي، فلسفته ورؤيته لكرة القدم ومدى قدرته على صناعة الحلول، ومتى كان النفاذ إلى عمق منظومة التفكير الخاصة بالمدرب، متى جرى جرد نسبة التطابق مع البيئة الكروية التي يأتي إليها.
والاتحاد الإماراتي لكرة القدم، عندما قرر التخلص من فان مارفيك قبل جولتين من نهاية الدور التصفوي الحاسم لـ «المونديال»، لم يكن في ذلك لا مجازفاً ولا مرتجلاً، بل لأنه اقتنع بـ«الحجة الدامغة» أن مارفيك استنزف كل الفرص الممنوحة له، وأنه ما عاد لديه شيء يعطيه لـ «الأبيض»، وهو فاقده، والأجدر أن يكمل «الأبيض» العشرين بالمائة الأخيرة من شوط التصفيات مع مدرب آخر، لا أعتقد أن اختياره ارتكز فقط على سيرته الذاتية، والتي تؤمن له معرفة عميقة بالكرة الإماراتية، ولكن أيضاً على مشروعه الرياضي الذي لا يمثل ربح رهان الترشح لمباراة السد المونديالي سوى جزء يسير منه.  
يفترض إذاً أن يكون تفضيل الأرجنتيني رودولفو أروابارينا على غيره من المدربين الذين تراكمت سيرهم الذاتية على إدارة اتحاد الكرة، قد تم بناء على مقاربات فنية عالية الدقة، لا تأخذ بالكامل بالسيرة الذاتية، من دون أن تخرج عنها، ولكن تضيف لها سؤال التطابق مع الخصوصيات ومع المرحلة، فلا نقبل لـ«الأبيض» ولا للكرة الإماراتية بفشل جديد وبانتكاسات جديدة، حتى لو كان المدرب، أياً كانت جنسيته، عنصراً فقط من عناصر كثيرة لصناعة النجاح.