أصر «نيونز»، ذلك السائح الذي فقد طريقه أثناء رحلة استكشافية في جبال الأنديز بأميركا الجنوبية، على إقناع أهل «بلدة العميان» التي وجدها في طريقه، أنهم يفتقدون الكثير، وأن هناك عالماً رائعاً حولهم يفتقدونه، وذلك من دون أدنى رغبة منهم في ذلك، فجميع أهل القرية من فاقدي البصر، وهم يعيشون حياة هادئة مسالمة، وقد سخروا معطيات الطبيعة حولهم لخدمتهم بأقل جهد ممكن. هذه فكرة قصة «بلدة العميان» للروائي الإنجليزي «هربرت جورج ويلز». يتمحور الصراع في القصة حول تعاطي هذا المبصر مع المكفوفين من أهل البلدة وتعاملهم معه.
«الأعور بين العميان.. ملك».. بهذه العقلية دخل «نيونز» إلى بلدة العميان، بثقة كاملة أن ما لديه من قدرة كونه بصيراً، كفيل لكي يتسيد الآخرين من فاقدي هذه القدرة كونهم مكفوفين، غير أنه «تعثر» في مقابل خطوات المكفوفين الواثقة، وتأخر في ردات فعله مقابل سرعة حركة وحدة حواس من واجههم من أهل البلدة، وتألم من قرصة الجوع فاستجدى «العميان» لإطعامه، وخارت قواه واستسلم أمام صمود وإصرار فاقدي البصر، ورغم عجزه الجلي، كان «نيونز» بسبب عقليته المتعالية يسخر بينه وبين نفسه من أهل البلدة، ويصفهم بالأغبياء!
من حق كل فرد فينا أن يشعر بتميزه، وأنه نسخة غير مكررة خلقها الله تعالى، منحها من الصفات والقدرات الخاصة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال -أيضاً- أن تتطابق في درجتها مع صفات وقدرات إنسان آخر. هذه حقيقة على كل فرد أن يقتنع بها ليتمكن من اختراع مساره الخاص ويمضي في رحلة حياته بما يسعده، غير أن هذه الحقيقة لا تعني بأي حال من الأحوال فرادة هذه الميزة لك من دون باقي البشر، فلكل شخص آخر أيضاً ما يحظى به من تميز، الذي لن يكون متطابقاً لتميز آخر، ولكنه بالتأكيد مكمل له.
بهذه العقلية المتعالية والنظرة الفوقية نتعامل كل يوم مع آخرين لا يمتلكون ذات الإمكانيات أو القدرات التي نملكها، غير أن الكثير منا -للأسف- لم يتوقفوا ولو للحظة واحدة ونظروا حولهم ليعترفوا بمقدار احتياجهم لهذا الآخر وأهميته في منظومة حياتهم، مهما صغر حجم ومقدار هذه الحاجة.