أما يقولون: من عتمة الظلام تطلع شقائق النعمان، ومن تجاويف اليأس يولد الأمل.. ما عشناه مع «الأبيض» الإماراتي و«أسود الأطلس» في هذه الحلقة المجنونة من مسلسل السفر الأنطولوجي للمونديال، عبر معابر التصفيات الوعرة والمرهقة، نحو رحاب السعادة، لمنصة العالمية، يقول بالفعل إن الفرح الجميل هو الذي يولد من رماد الإحباط والخوف والتوجس، ولعلها واحدة من تلك القيم الإنسانية الرائعة التي تصدرها كرة القدم.
كان الغبن كبيراً والأبيض الإماراتي يخسر مباراته أمام العراق في الجولة ما قبل الأخيرة، فقد حفر كثير بيننا السراديب المظلمة لتدفن فيها المشاعر وومضات الأمل الخافتة.
ما رأى بعضنا ضرورة لملاحقة ما بدا أنه وهم وسراب وخيط دخان، و«الأبيض» ينكسر بصورة رعناء أمام «أسود الرافدين»، وما تنبه أحد أن هناك بصيصاً من الأمل وصوتاً من قعر التاريخ يقول: إنه لا يأس مع الحياة، فبمقدور «الأبيض» أن يستعيد المركز الثالث المفضي للسد القوي، فيما لو هزم بعقر داره «شمشون» الكوري الجنوبي.
هذا ما حدث، إذ قدم «الأبيض» الأداء المبحوث عنه طويلاً، أرسل فجأة النور المصادر فيه، ليس صحيحاً على الإطلاق أن الكوري جاء للإمارات متأهلاً ومسترخياً ومتحللاً من كل الضغوط، على العكس تماماً، فقد كانت له مباراة «الأبيض» مباراة سمعة، مباراة أخلاق وأيضاً مباراة تحسين المواقع في ترتيب الفيفا، لذلك إن كان الفوز الإماراتي الذي يؤمن مركزاً ثالثاً في المجموعة، ليصبح معه التأهل للمونديال، مقروناً بالفوز في سدين شاهقين وعاليين علو الجبال، هو من صنيع هذا الفريق الذي يئسنا منه ذات وقت، فإنه من الضروري أن نواصل رحلة الأمل مهما بدت طويلة وشاقة، فقد أنبأنا «الأبيض» في مباراة كوريا أن الولادات العسيرة تحتاج إلى هكذا مخاض وإلى طاقة صبر لا تنفد.
وحرك فينا «أسود الأطلس» ليس بتعادلهم الإيجابي بملعب الشهداء بكينشاسا في ذهاب الدور الفاصل أمام فهود الكونجو الديموقراطية، ولكن بأدائهم الجماعي وقد تلطخ بالعديد من الهلوسات التكتيكية، القلق الذي ركد بعضه مع خروج الأسود من الدور ربع النهائي لكأس أمم أفريقيا.
لكن كان يجب علينا أن نعرف أن منتخب المغرب إذا ما عاد إلى رشده، وإذا ما احتمى بجمهوره، تحول إلى محرقة.
وهذا ما شاهدناه في مباراة العودة بمركب النار بالدار البيضاء، إذ لم تنفع الفهود كل الجرأة والجسارة التي عبروا عنها، لكي يقطعوا عن الأسود زئيرهم ولكي يخمدوا بركانهم الذي اشتعل مجدداً.
من رحم مباراة تاريخية، خرج منتخب المغرب كومضة نور أضاءت ما حولها، فكان الانتصار العريض والأداء الجميل والتأهل الرائع إلى كأس العالم..
إنها الحياة يا سادة التي تبتسم للأمل ولا تقبل باليأس.