لا أذكر أن كثيراً منّا استحسن الابتكار الذي خرج به الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل سنوات، والمتمثل في التصنيف الشهري للمنتخبات، والذي يأخذ بنتائج هذه المنتخبات في مبارياتها، مؤشراً رقمياً يمر عبر شبكة من المعادلات ليمنح لكل منتخب تنقيطاً، هو ما يحدد صعوده، أو هبوطه في مدارج التصنيف.
بعضنا ذهب إلى استهجان هذا التصنيف، وكان من حقه ذلك، لأن التصنيف في بداياته أعطانا فسيفساء غريباً، ليس فيه أي ذرة من المنطق.
 إلا أن هذا الذي شجبناه ونفرنا منه، بات مع تعاقب السنين، موجهاً رئيساً لكرة القدم، ومؤشراً قوياً لتصنيف المنتخبات، بل إنه سيصبح جالباً للعدالة ومحققاً للتوازن المفقود، والدليل ما أفضت إليه قرعة كأس العالم التي جرى سحبها بالدوحة يوم الجمعة الماضي.
بفضل مصداقية وشفافية هذا الترتيب، أفرزت القرعة مجموعات متوازنة، ليس بينها مجموعات اعتدنا وصفها أحياناً بمجموعة الموت، وأخرى بالمجموعة الحديدية أو الفولاذية، إذ بالاحتكام إلى الرصيد الفعلي للمنتخبات المؤهلة إلى كأس العالم، ومن جراء ذلك لترتيبها دولياً، وزعت هذه المنتخبات على القبعات الأربع، ما ضمن عدم اصطدام الحيتان الكبيرة فيما بينها.
بالقطع لن نجد بين المجموعات الثماني، حتى لو تعلق الأمر بالعنابي القطري الذي أهلته استضافته للبطولة، ليوضع في القبعة الأولى، إلى جانب سبعة منتخبات، لن نجد مجموعة سهلة، ومجموعة نارية، ذلك أن التركيبة التي أفرزتها القرعة تعطي للمنتخبات، بحسب تاريخها وعراقتها ومرجعيتها المونديالية، وأيضاً بحسب نتائجها مجتمعة في آخر أربع سنوات، سبقاً على مستوى الترشيح، لكن المنتخبات الأخرى، حتى تلك التي ترى المونديال للمرة الأولى، أو التي تعود إليه بعد غياب طويل، ستأتي لقطر وهي مؤهلة بحقائق كرة القدم، لكي تحلم بمونديال تاريخي، على غرار ما حدث مع عدد كبير من المنتخبات، دخلت المونديال مجهولة الاسم، معدومة الحظوظ وخفيفة جداً في ميزان الترشيحات، وخرجت منه عملة جديدة في بورصة العظماء.
لذلك لا تبدو أي من المجموعات التي تتواجد بها المنتخبات العربية، وكل الأمل أن ينضاف إليها «الأبيض» الإماراتي، وقد تخطى السدين الشاهقين، عصية أو مستحيلة، إنها مجموعات متوازنة، لا هي سهلة ولا هي صعبة بالمعنى الذي يصادر كل أمل وطموح، وستكون المنتخبات العربية هي المعنية الأولى باستصعاب كل سهل أو باستسهال كل صعب، فلا مجال عند الدخول للمونديال بغاية كتابة التاريخ، ألا يكون التحضير الذهني والفني والرياضي قد أحصى كل صغيرة وكبيرة في مؤدى المنافسين، لا مجال عند دخول امتحان الكونية، ألا تكون المنتخبات العربية مستعدة على الصعد كافة لإيجاد المداخل الحقيقية للخلود.
علينا أن نأتي فعلاً كتابة التاريخ، لا لنكون جزءاً من التاريخ المنسي.